وخياراته الأساسية في عمومياتها، وهمه أن يبين المسافة بينه وبين حركة النهضة التي اختارته لهذه الخطة، التي يحاول ان يقدم تصوره لها ولكيفية القيام بها.
عدد الحوارات التي ادلى بها الحبيب الجملي رئيس الحكومة المكلف منذ الإعلان عن تكليفه يوم الجمعة الفارط تكاد تعد على أصابع اليد الواحدة هي قليلة ولكنها تحمل الكثير من المؤشرات الدالة عما يفكر فيه الرجل وكيف ستكون عهدته في خطوطها العريضة.
من هذه الحوارات ما ادلى به الجملي لـ«المغرب» في عددها الصادر يوم الاحد الفارط والذي اشار فيه الى اولويات حكومته التي تنطلق من الاقتصادي والاجتماعي بالاساس لتقديم حلول للتونسيين وتحسين معاشهم. وهذا ما سيسعى الرجل الى تحقيقه عبر برنامج.
برنامج قال عنه انه سينطلق من الوثيقة التي قدمتها له حركة النهضة، ولكنه سيعمل على تطويرها بالاستعانة بالخبراء واهل الاختصاص، دون ان يشرح فلسفته او اية خيارات كبرى سيتبعها، وهذا يؤشر الى ان الرجل لم يصغ بعد تصورا للحكم او أي اهداف يبتغيها.
عدم الوضوح في الرؤية والبرنامج وفق ما عبر عنه في الحوارات الصحفية استمر حول تركيبة حكومته التي قال انها ستضم شخصيات مستقلة غير متحزبة، وان المعيار المتبع في اختيار فريقه الحكومي سيتركز على الكفاءات وهذا سيشمل الوزراء المتحزبين.
هنا يكشف الرجل عن المدى الذي تبلغه قدرته على اختيار فريقه الحكومي والذي يفكر في ان يكون مصغرا بدمج وزارات ببعضها، ليشير الى انه قد طالب من حركة النهضة التي لا ينتمي اليها ان تمنحه الحرية في الاختيار أي ان تمنحه قدرة على رفض مرشحين من لدنها لتقلد مناصب وزراية او في تعديل وثيقتها التي عنونتها بوثيقة التعاقد للعمل الحكومي.
الحبيب الجملي وفي كل حواراته كان حريصا على ان يبرز ثلاث نقاط أساسية، انه مستقل وعلى مسافة من النهضة كنقطة مركزية لإبراز النقطتين المتبقيتين، وهي انه سيشكل فريقه الحكومي بهامش من الحرية وسيتصل بكل الأحزاب والقوى السياسية ليعرض عليها المشاركة في حكومته، وثانيها ان حكومته ستكون منضبطة لبرنامج على ضوئه سيقع اختيار الوزراء او رفض الاسماء المقترحة عليه.
ما لا يشرحه الجملي بالاساس الى أي مدى تصل الاستقلالية وحرية الاختيار التي اشترطها على رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي لدى الاتصال به لاقتراح تحميله مسؤولية رئاسة الحكومة، فالرجل يبدو انه ورغم رسم مسافة عن النهضة لا زال مرتبطا بها.
ارتباط عسكته تصريحات رئيس حركة النهضة او باقي قياداتها التي رسمت مجال تحرك الجملي وحدوده، فالنهضة ترغب في ان تكون الوزارات السيادية محايدة وهذا يعنى ضمنيا اقصاء التيار الديمقراطي الذي اشترط وزراتين من اصل اربعة ليقبل بالمشاركة في الحكم، ثانيها ان لا يقع تكليف أي شخصية قيادية من قلب تونس بحقيبة وزارية.
هذه الموانع او المحظورات التي عبر عنها كاقتراحات ارادت النهضة ان ترسلها في العلن لتحديد اركان اللعبة وقواعدها، فهي وان كلفت «صديقا» لها فانها لن تسمح له بالاتبعاد عن سيطرتها او تاثيرها بتعلة الاستقلالية التي قال الجملي انه متمسك بها بل وانه لا يصطف الا خلف مصلحة تونس وإذا تعارضت المصلحة العامة مع مصلحة النهضة فانه سينتصر للوطن.
النهضة وهي تختار الجملي كانت حريصة على ان تدير اللعبة القادمة بيد واحدة، وهي يد رئييسها ورئيس مجلس نواب الشعب، الذي سيكون الحاكم الفعلي للبلاد بامساكه بثلاثي «مونبليزير/باردو/القصبة»، ولا يبدو ان الجملي في هذه المرحلة على الاقل قادر على ان يفتك لنفسه هامشا للتحرك او المناورة وفرض خياراته.