«العرض غير الرسمي» لحركة النهضة: رئاسة المجلس أولا قبل التنازل عن رئاسة الحكومة....

تدرك حركة النهضة ان مواقفها وتصريحات قادتها تؤخذ بوجهيها، المعلن الصريح والمبطن المخفي، لذلك فهي

تحرص على ان تترك للفاعلين أثرا يستدلون به على ما يمكن ان يكون « اتفاقا» يوفر منفذا للجميع للخروج «رابحين» عوضا عن الذهاب لمجهول سيعصف بهم دون استثناء لصالح قوى سياسية جديدة.

في الخطاب السياسي او المواقف المعلنة، هناك مستويان لفهمها وتفكيك مضمونها ومعرفة المراد منها، الاول ويقتصر على ظاهر النص والخطوط العريضة لاي موقف سياسي، الثاني هو الـ«لا منطوق» وما الذي يراد تجنبه بهذا الموقف لا ما يراد تحقيقه/المخاوف.

تطبيق هذا التمشي على المشهد السياسي التونسي، خاصة المتعلق بالمشاورات الحكومية اتي تقودها النهضة وقرارات الدورة الـ33 لمجلس شوراها وما صدر من خطاب رسمي عن قادتها، سيقودنا الى مفارقة، قوة الخطاب الباحثة عن استعراض القوى التي تخفي خشية من مجهول لا يمكن تجنبه الا باتفاق الخصوم.

في ظاهر الخطاب والموقف الصادر عن مجلس شورى النهضة، لا شيء جديد عما اعلن منذ أسبوعين، المجلس متمسك بان يكون رئيس الحكومة نهضاويا وترشيح رئيس الحركة راشد الغنوشي لرئاسة المجلس، الجديد في هذا انه بات معلنا بعد ان كان معلوما للجميع بشكل غير رسمي.

اعادة انتاج ذات المواقف والخطاب، تمتاز عادة باتباع نمط محدد من المصطلحات من قبيل كل القادة في الحركة مع بعض التعديلات التي يهدف من خلالها اما تحصين التموقع او التصعيد او تحميل المسؤوليات، وهذا النمط يوجد بشكل جلي في خطاب سياسي رسمي، لكن في واقع الحال بالنسبة مجلس شورى النهضة كان الامر مختلفا.

فالخطاب المعتمد لم يتضمن اي مصطلحات «رئيسية» بل نجد موقفا بين موقفين، الاول الصادر عن رئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني الذي اكد ان المجلس قرر ترشيح الغنوشي لرئاسة البرلمان والتمسك بمرشح نهضاوي لرئاسة الحكومة، فيما تضمنت باقي التصريحات الصادر عن قادة اخرين على غرار الخميري نصف الموقف الاول وهو ترشيح الغنوشي مع القول بان النهضة متمسكة بتعين رئيس الحكومة، دون ان تحدد انتماءه.

هذا الاختلاف بين الخطاب ومفرداته، يراد منه ترك اثر للحلفاء المحتملين للوصول الى ارضية مشتركة، ارضية تدرك النهضة ان الوصول اليها يستوجب تصعيدا للخطاب لدفع البقية الى التنازل والا فلا معنى لتنازلها هي فقط.

هدف يبرز بشكل غير صريح في كلمات عبد اللطيف المكي القيادي بالحركة الذي شدد على ان قرار الشورى ترشيح شخصية نضهاوية كان بالاجماع، فـ95 عضوا صوتوا لهذا القرار الذي نتج عن دافعين، الاول ان التيار وحركة الشعب لم يتجاوبا مع المشاورات وتمسكا بمواقفهما مما يضع الحركة في موقف حرج وهو دفعها للتنازل في احد الجانبين، والثاني ان تكليفها لشخصية مستقلة لن يعفيها من تحمل فشل الحكومة القادمة لكنه سيحرمها من الاستفادة من انجازاتها ان وجدت.

ثنائية يشير المكي الى انها وقفت خلف القرار الاخير لمجلس الشورى المتمثل في التمسك برئيس حكومة نهضاوي، ولكنه يشير وهو يصر على حق حركته في ان تترأس الحكومة بانها تنتظر العرض المناسب من الشركاء المطالبين بمرونة اكبر في التفاوض لتجنب الذهاب الى الخيارات البديلة التي ستنتهي بانتخابات سابقة لاوانها.

هنا يكشف المكي ان النهضة تفكر وان بشكل غير صريح او معلن بصوت عال في مسألتين، الاولى كيفية الوصول الى «عرض سياسي» يقنعها بالتنازل عن منصب رئيس الحكومة دون ان يعنى ذلك تنازلها عن حقها في تعيين هذه الشخصية وهذا لن يكون دون مقابل، وهنا يتضح سبب ترشيح الغنوشي لرئاسة المجلس في هذه الدورة وليس من قبل. اما المسألة الثانية فهي الخشية من ان يتواصل تازم الوضع لينتهي الى انتخابات تشريعية مبكرة قد تثخن اجساد كافة الاحزاب دون استثناء.

هاتان المسألتان هما تشغلان العقل الجماعي للحركة، وان كان من بين قادتها من يطالب بالذهاب الى الاقصى ويدفع نحو اعادة الفرز، بين الثورة واعدائها، وهي اصوات ينظر اليها من قبل بعض قادة النهضة على انها غير مدركة لخطورة الوضع، وهنا تكشف هواجس الحركة، الخوف من ان يطمح رئيس الجمهورية الى استغلال الزخم الذي مكنه من الوصل الى قرطاج ويوظفه في الانتخابات التشريعية السابقة لاوانها، وهذا يعنى نهاية الجميع.

لكن هذا الخوف ليس الاكبر للنهضة، بل خوفها الاعظم هو هجرة جماعية لقواعدها الى ائتلاف الكرامة، الذي بات يمثل بديلا عن النهضة يقف على يمينها، وما قد يدفع بالقواعد الى خطأ او تنازل غير مدروس تقوم به النهضة.

في ظل هذه اللخبطة لا يبرز الا طريق وحيد للنهضة، تصيب به اكثر من هدف، اقناع الشركاء بعرض تحت قاعدة «WIN-WIN» اي الجميع رابح، ويتضمن هذا العرض ان تؤول رئاسة المجلس للنهضة مقابل تنازل الحركة عن رئاسة الحكومة، لكن تحقيق هذا لن يتم دون ممهدات، اولها تخفيف حدة الخطاب والصدام خاصة من قبل حركة الشعب، وثانيها التوافق على شخصية تكون محل قبول قواعد الاحزاب المتحالفة ، اي شخصية ترضى عنها قواعد النهضة وقواعد التيار وحركة الشعب.

هذه الصفقة او عملية التبادل، تدرك النهضة ان الوصل اليها يستوجب امرين ان يدرك الجميع ان الخسارة ستعم ولن يستثنى احد منها والربح كذلك، ولهم حرية اختيار ، اما هي فقد باتت رهينة طرفين، حلفاء وقواعد لا يمكن الجمع في تحقيق رغابتهم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115