فالحركة التي اقتربت مع شركائها في التفاوض خطوة نحو تشكيل الحكومة ضمن «حزمة اتفاق شامل » وهذه نقرة أولى وضعت ساقها الثانية في الوحل لتحديد اسم رئيس الحكومة القادم. وتلك النقرة الأخرى.
خلال الساعات الماضية جد جديد في مسار تشكيل الحكومة الذي تقوده النهضة، انطلاقا من التصريحات والتدوينات الصادرة عن قياداتها التي -وان ظلت تشدد على ان الموقف الرسمي هو ما عبر عنه مجلس الشورى في دورته السابقة- فإنها أعربت عن مواقف شخصية من مسار المشاورات.
مواقف على غرار التي قدمها محسن النويشي، رئيس دائرة الانتخابات في حركة النهضة، الذي قال ان «إعادة الانتخابات هي الخيار الاسلم في صورة المرور الى ما يسمى بحكومة الرئيس»، وهذا إذا تمسك عدد من المشاركين في المشاورات برفض ترؤس النهضة للحكومة التي قال ان البعض يطالبها بالتخلي عن رئاسة الحكومة وبالتالي التفاف عن حقها الدستوري والتفاف على نتائج الصندوق.
موقف كشف عنه النويشي في تدوينة له على صفحته بموقع التواصل فايسبوك، وأكده في تصريح لـ«المغرب» الذي شدد فيه على ان ما عبر عنه هو موقف وقراءة شخصية، اما موقف حركته فهو ما سبق وأعلنته، هنا يكشف القيادي البارز في الحركة عن وجود اكثر من تصور في الحركة.
كشف أكده الرجل لكنه تمسك بان الأصل هو موقف الهياكل، دون الذهاب بعيدا في الشرح الذي يقف عند اعتبار ان سير المشاورات يتقدم بخطى «نسبيا غير سريعة وغير بطئية» في انتظار التكليف الرسمي وانعقاد مجلس الشورى لتقييم المشاورات وتحديد المواقف.
ما يقوله النويشي إذا وقع ربطه بتصريحات قيادات اخرى وكذلك بالتطورات وما تنقله كواليس الاحزاب المتشاورة، يفهم منه ان النهضة تشتغل اليوم تحت قاعدة تنازل مقابل تنازل، والتصريحات والمناورات هدفها اعادة تهيئة مناخ للتشاور، بعيدا عن حركة الشعب التي قد يقع ابعادها من المسار. هذا المسار شهد تطورين يمكن التعبير عنهما بنقرتين.
النقرة الأولى
هي التي تكشف في الكواليس وهي واضحة للعيان، النهضة اليوم وان لم تعلن بعد عن ذلك بشكل رسمي في انتظار عقد اجتماع مجلس شوراها، أدركت أن ترؤس شخصية من النهضة للحكومة غير ممكن وذلك أمر قد حسم برفض الجميع، والأفضل اليوم أن يقع البحث عن خيار بديل، لكن هذا في ظل مقاربة جديدة.
مقاربة عنوانها ان النهضة تنازلت والتنازلات يجب ان تقابل بمثلها، وهنا تعود مسألة ترؤس الغنوشي للمجلس الى الطاولة، رئيس حكومة مستقل مقابل رئيس مجلس نهضاوي، هذه بتلك، والمشاورات غير الرسمية تتعلق بهذا. وهنا تتوسع قاعدة الاحزاب المعنية بالمشاركة في حكومة تقودها شخصية مستقلة تعينها النهضة، تماما كما حدث مع النداء في 2014، مقابل ان تصوت هذه الأحزاب المشاركة على ترؤس رئيس النهضة راشد الغنوشي للمجلس.
النقرة الأخرى
ولئن كان المثل يقول بان هذه نقرة وتلك نقرة اخرى، اي ان الاتفاق قد يصل الى القبول من الجميع، بشخصية مستقلة مقابل ترؤس الغنوشي لمجلس النواب، لا يعنى ان العقبات زالت أو ان الاتفاق حسم في كل بنوده، بل سيقع الانتقال الى مربع جديد من الازمة. وهذه المرة حول شخص رئيس الحكومة.
فالنهضة التي قد تصبح كمن استجار من الرمضاء بالنار، اي انها تتخلص من العقابات التي رسمتها لها الاحزاب لتجد نفسها امام عشرات يضعها لها رئيس الحكومة المستقل، انطلاقا من تحديد هويته او ما يعرف «بروفيل» ومواصفاته التي يبدو انها ستتركز على ثلاثة، معرفة بالشان الاقتصادي، والمعرفة هنا ليست نظرية، اي ان تكون له تجربة وقدرة على القيادة، ثانيها انتماء لخط الثورة، وثالثها وهو الاستقلالية وعدم الانتماء لحزب.
هذه المواصفات الثلاثة ستكون اول عقبة ولكنها ليست الاخيرة، فالوصول الى تحديد شخصيات لها هذه الصفات يعنى ان قائمة مصغرة ستعرض على الحلفاء المنتظرين وهنا قد يصبح من الصعب ان يتفق الجميع على اسم، وإذا وقع الاتفاق وظن الجمع انهم ابتعدوا عن خانة الازمة عادوا اليها.
فالمواصفات نظريا تعنى ان الشخصية المرشحة لرئاسة الحكومة لن تكون شخصية قابلة للانقياد او كما يقول المثل «صباب ماء على اليدين» فهو سيرغب في ان يشكل حكومته بمفرده مع الاستئناس بما تقترحه الاحزاب، وهذا نظريا يعنى الدخول في مربع اخر من الصعاب تتعلق بكيفية الحفاظ على تحالف هش محكوم بتوازنات دقيقة .