رئيس الجمهورية المنتخب قيس سعيد في حفل تنصيبه الأربعاء القادم، كلمة يترقبها الكثيرون لمعرفة ما يعتزم الرجل القيام به وقد بات اليوم رئيسا لكل التونسيين.
منذ الإعلان عن نتائج الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية التونسية، سواء نتائج استطلاعات الرأي عقب مغادرة مراكز الاقتراع أو النتائج الأولية وصولا الى الإعلان عن النتائج النهائية قبل 48 ساعة، كان قيس سعيد مركز الحدث السياسي في تونس.
مركز شغله الرجل الذي ما إن أعلن عن فوزه حتى برزت لدى جزء من مناصريه خطابات عنف وكراهية، ومحاولات لفرض إرادتهم على الواقع تحت شعار «الشعب يريد» وبدعوى الانتساب إلى خط الرئيس المنتخب قيس سعيد، مما وضع الرجل أمام حتمية التدخل لكف أيادي أنصاره الذين مارسوا العنف على صحفيين وروجوا لخطاب تحريضي ضد حساسيات سياسية ونقابية وإعلامية.
احدث تدخل كان عبر تصريح مقتضب أدلى به الرئيس المنتخب قيس سعيّد أمس لوكالة تونس إفريقيا للإنباء دعا فيه إلى احترام الإعلاميين والمؤسسات الإعلاميّة وان لا يتم التعرض لأحد في جسده أو عرضه أو ماله. كما طلب من أنصاره عدم الردّ على أيّ موقف مهما كان إلا بالفكرة قائلا «ولا تقارعوا الفكرة إلا بمثلها ولا الحجّة بغير الحجّة … و العالم بأسره ينظر بإعجاب إلى تونس».
وتوجه الى التونسيين بالقول «أنتم يا أبناء الشعب العظيم تقومون اليوم بثورة ثقافية غير مسبوقة يقف العالم كلّه تقديرا لكم وإعجابا غير مسبوق بدوركم فلا تتركوا الفرصة لأحد لتشويهكم حتى لا يقدروا على ذلك… واصلوا من أجل صنع تاريخ جديد لتونس قوامه مطالبكم المشروعة وتمسّككم بالقيم النبيلة وأولاها الحريّة ونبل الأخلاق».
هذه الكلمات التي أدلى بها سعيد بعد مرور اكثر من أربعة ايام على تصاعد خطاب التحريض والعنف ضد الأخر من قبل بعض من المنتسبين الى أنصاره، حملت في طياتها بعض اللبس عندما تحدث الرجل عن الحذر من المندسين ومن محاولات التشويه، وهو ما قد يكون غير كاف لجزء من انصاره ليلجموا انفعالهم وخطابهم العنيف.
اليوم قيس سعيد لم يعد المترشح في الانتخابات الرئاسية بل هو رئيس للجمهورية التونسية ولهذا المنصب واجباته ومسؤولياته، واولها ان يكون خطابه واضحا غير حمال لاوجه او تأويلات وفق أهواء متلقيه، وثانيها ان يقف الرجل بشكل حازم ضد كل ممارسات العنف المادي والمعنوي ومحاولة جر التونسيين الى مربع الصراع الهوياتي.
مواقف يامل ان تجد مكانا لها في خطاب التعيين المنتظر يوم الاربعاء القادم، انظر مقال كريمة الماجري، كما ينتظر ان يكشف الرجل عن اولوياته وتصوره لكيفية القيام بدوره كرئيس للجمهورية التونسية، وقع انتخابه ب2.777 مليون صوت بنسبة تجاوزت 71 %.
دور سيكون على قيس سعيد ان يحدده بعيدا عن الارتهان لتيار سياسي او لضغط جزء من قاعدته الانتخابية او فريقه الانتخابي، فالرجل وبالمؤشرات التي كشفتها الانتخابات لا يدين لتيار بصعوده او لفريقه، هو منتخب من قبل كل شرائح المجتمع التونسي واذا كان له ان يكون مدينا لاحد فهو مدين لهذه الملايين التي انتخبته.
ملايين انتخبوه لا بسبب طرحه السياسي بل للصورة التي مثلها الرجل، وما املوه منه لدى بلوغه للمنصب، حماية الحريات والحقوق وتحسين الوضع المعيشي، وإعادة تشكيل مشهد سياسي بعيدا عن الفساد واللوبيات المتنفذة.
هذا جزء جامع من انتظارات من انتخبوه وهم ينتظرون من الرئيس ان يعكس إدراكه لمطالبهم في خطاب تعيينه، خطاب سيكون محوريا لمعرفة أي توجه قد نسلكه مع الرئيس الجديد، ففي المرتين السابقتين، سواء مع منصف المرزوقي لدى انتخابيه من قبل المجلس التأسيسي ليكون رئيسا لتونس او من قبل الباجي قائد السبسي أول رئيس منتخب من الشعب بشكل مباشر، رسمت العهدة الرئاسية وظلت رهينة لخطاب التعيين.
أي ان قيس سعيد أيّا كان خطابه الأول كرئيس للجمهورية سيكون محوريا له ولتونس في عهدته، لذا فالآمال- وان خابت بعض الشيء - تظل مرتفعة بان يطل الرجل بخطاب جامع لكل التونسيين مطمئنا اياهم على ما حققوه من مكاسب وعلى حسن إدارة الفضاء العام دون السماح لفئة باحتكاره باسم الثورة او الدين.
خطاب سيكون مفصليا لمعرفة الخطوط الرئيسية لمشروع الرجل، ومشروعه لا يتعلق بنظام الحكم الذي يتصوره، بل تصوراته للمرحلة القادمة وأولوياتها التي ترتهن لإكراهات يعلمها الجميع.