كان لهذه المواجهات المباشرة أمام أنظار الجميع وزن في تحديد خيارات الناخبين وتعديل ميزان القوى و إرشاد بوصلة الناخبين داخل خلوة الاقتراع؟ إلى أي مدى أثرّت المناظرات التلفزية في تحديد نوايا التصويت لرئيس تونس القادم؟
ما بين التنويه بالمبادرة والإشارة إلى بعض مواطن الخلل ، تبقى المناظرات التلفزية بين المترشحين لرئاسيات 2019 في تجربتها التأسيسية عنوان ديمقراطية وامتياز دولة مدنية حديثة تؤمن بالتعدد والاختلاف. وفي استطلاع لآراء المواطنين داخل بعض مكاتب الاقتراع والاستئناس بآراء المختصين، حاولت «المغرب» رصد مدى تأثير هذه المناظرات في توجيه الرأي العام...
مواطنون: المناظرات كشفت الأقنعة وعدّلت بعض الانطباعات
إلى مكاتب الاقتراع، كانت وجهة المواطنين صباح أمس في موعد جديد مع الديمقراطية التي تترجمها انتخابات حرّة ومنح الصوت بكل حرية إلى من يرون فيه رئيس تونس في مستقبل الأيام.
في استفسار لعدد من المواطنين من مختلف الفئات والأعمار بخصوص المناظرات التلفزية ودورها في تحديد خياراتهم السياسية يوم الاقتراع، كانت الإجابات متباينة بين أهميتها في كشف الأقنعة وتوضيح الخفايا وسطحيتها التي لم تغيّر من نواياهم في التصويت لمرشحين بأعينهم.
ويري الكثير من الناخبين أن المناظرات التلفزية كان لها الفضل في التعرف عن كثب على المترشحين للرئاسة في أطوارهم المختلفة ومدى قدرتهم على التحكم في أنفسهم وعدم الخروج عن سياق الموضوع واللياقة. كما اعتبروا «أن المناظرة بين المتنافسين على كرسي قرطاج فضحت إيديولوجيا البعض الخفية وراء الشعارات الرنانة و الوعود الزائفة... مما جعلهم يتفطنون في الوقت المناسب لخداع البعض وخطورة تصوراتهم على تونس مستقبلا».
وفي المقابل، ذهب البعض الآخر إلى أن المناظرات التلفزية ليست مقياسا لتحديد الخيارات الانتخابية باعتبار أنها «لم تترك المجال للمترشح للحديث عن برنامجه بوضوح وقيّدته بسؤال معين قد يصيب فيه وقد يخطىء بسبب عدم تعوّد البعض على أضواء الكاميرا وأجواء التنافس المباشر.»
مختصون: تأثير المناظرات كان بصفة محدودة
هل ساهمت المناظرات التلفزية في تغيير خارطة الانتخابات الرئاسية وتغيير مواقع المترشحين لنيل ثقة الشعب للجلوس على عرش قرطاج حسب المختصين في علوم الاتصال والتاريخ السياسي؟
يذهب المؤرخ الجامعي المختص في التاريخ السياسي المعاصر خالد عبيد في تصريح لـ «المغرب» إلى أنّ المناظرات التلفزية أثرّت بصفة محدودة في تحديد نوايا التصويت للمترشحين لكرسي قصر قرطاج. وذلك باعتبار أنّ هذه المناظرات لا يمكن أن ترتقي إلى قيمة المناظرات التي عرفناها في بعض الدول الغربية والتي تمكّن الناخب من أن يحسم أمره وتكون بطريقة تفاعلية بين المترشحين وتحديدا بين مرشحين اثنين مثلما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية. أما الأسلوب المعتمد في تونس والذي تمثل في سؤال يختلف من مترشح إلى آخر مقابل انتظار الجواب، فأعتقد أنه طريقة عقيمة نسبيا ولا يمكن أن تعطي فكرة للناخب التونسي عن هذا المترشح أو ذاك الا في بعض الحالات الاستثنائية والمتعلقة ببعض المترشحين في حالات الانفعال والتشنج وحرج الارتباك والاضطراب...»
ويرى الدكتور والأستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار العربي شويخة أنّ المناظرات التلفزية والحوارات المباشرة في وسائل الإعلام عموما لا يمكن أن تشكّل لوحدها تأثيرا على الرأي العام في اختيار مرشحيه بل لا بد من التفطن إلى معطى ثان عام وهو تأثير المواقع الاجتماعية وأيضا محيط انتماء الناخب وقناعاته الشخصية والعائلة والأصدقاء والعلاقات الإجتماعية... كل هذه العناصر قادرة على صناعة رأي عام أيضا. ولكن هذا لا يمنع من تثمين المناظرات التلفزية بين المترشحين التي نشاهدها لأول مرة في تونس مباشرة على شاشة التلفاز إلاّ أن هذه المناظرات في شكلها المعتمد جاءت ضعيفة وفقيرة ومفرغة من معناها ومن غاياتها الحقيقية حيث لم تتح للصحفيين الاضطلاع بدورهم في التفاعل مع المترشحين بطرح الأسئلة الجادة والتعقيب على الأجوبة المناقضة لنفسها بل كان دورهم مجرد ناقل للأسئلة وقارئ لها وهذا يتنافي مع دور الصحفي الذي نريده مرآة للمجتمع وناطقا بهواجسه واستفساراته..»