لكن لم يقع الكشف عن كل شيء فالجميع ينتظر موعد المناظرات ليقنع التونسيين بأنه الرئيس الأفضل الذي تحتاجه تونس في هذه المرحلة، وهنا سيلعب كل منهم ورقته الرابحة.
مرت من عمر حملة الانتخابات الرئاسية خمسة ايام لم تحمل في طياتها اية مفاجأة كبري تمنح لأحد المرشحين الـ26 اسبقية علي باقي المتنافسين رغم كل ما حملته الأيام الأولى من الحملة من تطورات عدة وتحركات للمرشحين لتحقيق نقاط إضافية علي حساب بقية المنافسين.
بطء النسق وانخفاض حدة الخطاب السياسي ومحدودية النشاطات التي قام بها كل مترشح على حده قد تكشف مدي تركيز جلهم علي الاسبوع الثاني من الحملة الذي يفتتح ببث المناظرات الرئاسية في دوراتها الثلاثة.
لكن وضع العين علي المناظرات وعلى عطلة نهاية الأسبوع للانطلاق رسميا في الحملة بكل ثقل لم يمنع المرشحين من كشف بعض ورقاتهم التي تتعلق اساسا بكيفية تصورهم لدور الرئيس ومهامه وصلاحياته وما يعتزم القيام به إذا فاز في الاستحقاق الرئاسي. وهذه النقطة اطنب جل المترشحين في ابرازها.
فالبعض ينوي خفض نفقات الرئاسة وخفض راتب الرئيس والبعض حدد من سيعين في فريقه ان فاز، والبعض تحدث عن ما سيحدثه اذا بلغ قصر قرطاج من تعديلات على النظام السياسي وتنقيح الدستور والقانون الانتخابي.
عديدة هي الوعود التي يطلقها المترشحون لكن رغم تنوعها واختلافها تلتقي عند نقطة محددة وهي اي رئيس سيكونه المترشح ان فاز؟ رئيس نشيط لا يكتفي بالدور الممنوح له دستوريا بل يتجاوزه للعب ادوار متقدمة في السياسات الداخلية. ام الاقتصار على الرئيس «المحافظ» الذي سيكتفي بدوره وصلاحياته كما حددها الدستور، وهي السياسات الخارجية والأمن القومي.
صنفان من «الرؤساء المنتظرين» كشفت عنهم الحملة، صنف يضع نفسه فوق الأحزاب ويتعهد بان يكون علي ذات المسافة من الجميع، مع الاقتصار علي دوره الدستوري الي حين تعديل النظام السياسي للبعض أو الى نهاية العهدة لآخرين يقتصر تصورهم لدور الرئيس علي انه جزء من السلطة التنفيذية لكن دون صلاحيات التدخل في الشأن اليومي للتونسيين.
لكن البعض يشدد علي انه سيكون رئيسا نشيطا له تصورات لحل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بل له مقترحات جاهزة سيشرع في تنزيلها علي ارض الواقع ان انتخب. تنزيل لا يشرح المرشحون كيفية وقوعه، لكن بعضهم يلمح إليه وان بشكل غير مقصود.
فأصحاب تصور الرئيس النشيط كشفوا في خطابتهم وتحركاتهم عن انهم يتبنون برنامجا يضم البعد الاقتصادي والاجتماعي، دون ان يكشفوا عن انهم ولتحقيق هذا سيعمل من بلغ منهم الدور الثاني علي ضمان اغلبية رئاسية. هذه الأغلبية التي يدرك من يقدم نفسه علي انه سيكون رئيسا نشيط له دوره في تحديد سياسات داخلية تتعلق بتسيير الشأن اليومي للتونسيين، لا يرتبط توفيرها بان المترشح متحزب او مستقل، فمن سيصل للدور الثاني، ستكون له القدرة علي ان يجد هذه الاغلبية خاصة ان كان من اصحاب طرح الرئيس النشيط.
اذن المرشحين مهما كانت عائلتهم السياسية يدركون ان المرور للدور الثاني سيمكنهم من قدره علي التحرك بأريحية لضم احزاب ومرشحين للتشريعية الي صفه بل الي ان يكون زعيما لأكثر من حزب وتيار سياسي سيصطف خلفه في الدور الثاني لضمان تحقيق نتائج في التشريعية.
نتائج في التشريعية لا تحقق الا باختيار احد المرشحين للدور الثاني من الرئاسية لاعلان دعمهم له، وهذا يعني ان المرشح وان كان مستقلا سيجد نفسه زعيما لأحدى العائلات السياسية التي سيدعمها لضمان فوزها في التشريعية.
فوز سيكون المنافس على منصب الرئيس احرص عليه من المرشحين لعضوية مجلس النواب، اذ انه يمنحه أغلبية رئاسية متنوعة لكنها منضبطة له، لهذا قد ينطلق بعض المترشحين في المناظرات في مد قنوات الحوار مع العائلات التي يرغب في دعمها لا حقا وبالاحرى يبحث عن تزعمها.
وهنا ستكون المناظرات افضل مناسبة لتحقيق ذلك واكثر، فهي ستكون وسيلة الترشح لطبع صورته الذهنية لدي الناخبين وهي صورة الرئيس النشيط، وهذا سيوفر له دفعا هاما للمرور للدور الثاني، وفي تلك المرحلة سينطلق في تشكيل اغلبيته بشكل صريح.