الشفافية في الحياة العامة، بحكم أن هذا العام سيشهد تنظيم انتخابات أخرى هامة ومفصلية في مسار إنتقالنا الديمقراطي لما بعد الثورة الا وهي الانتخابات التشريعية والرئاسية.
ولئن كنّا نقر اننا كتونسيين - والعالم معنا - أننا تمكننا بعد الثورة من الإنجاز وبنجاح لمسار إنتخابي شفاف وديمقراطي وتعددي – نسبيا - مما مكننا من إحتلال المراتب الأولى في المجال - ليس فقط - عربيا بل وحتى دوليا، الا انه لايمكننا بحال تجاهل ان بعض الهنات والعثرات التي شابت إنتخابات سنتي 2011 و 2014 وهو ما تم رصده والتنبيه اليه سواء من خلال معاينات وتقارير اللجنة العليا المستقلة للانتخابات ودائرة المحاسبات أو المراكز والمنظمات الوطنية والدولية التي تولت مهام ملاحظة العملية الانتخابية برمتها.
وتمثلت هذه الاخلالات بالخصوص في:
• الجانب المتعلق بموارد الحملات الانتخابية (تمويل الحملات) التي اتضح ان البعض منها غير شفاف أو تلطخ بالمال الفاسد،
• الاستعمال الغير مشروع للدعاية عبر وسائل الاعلام المرئية والسمعية والبصرية والمكتوبة وكذلك الوسائط الالكترونية،
• كما رصدت هذه التقارير تمويلا مقنعا للحملات والمترشحين عبر الجمعيات،
• وجود تبرعات نقدية وعينية وموارد غير مصرح بها،
• ثبوت حالات من التمويل الأجنبي،
• تدليس تزكيات المواطنين للمترشحين للانتخابات الرئاسية،
• استعمال موارد ووسائل الدولة لفائدة مترشحين أو قائمات،
• استعمال دور العبادة للدعاية لبعض المترشحين أو الأحزاب...
• وغيرها من الاخلالات والجرائم.
غير أن الأخطر، هو أننا لم نشهد تحركا فاعلا أو ناجزا من مختلف السلط الموكول لها انفاذ القانون ومسائلة ومحاسبة من ثبتت في حقهم هذه الجرائم والمخالفات مما أشاع أجواء من الإفلات من العقاب وارتهانا خطيرا لسيادتنا الوطنية وهي مخاطر ومحاذير إذا لم يتم تداركها والحد منها خلال المحطات الانتخابية القادمة فإنها توشك أن تترسخ تقليدا وأعرافا سائدة لا يمكن فيما بعد تجاوزها وتلافيها وتصبح صناديق الاقتراع شيئا فشيئا ملكا للوبيات المال الفاسد في الداخل والخارج وترتفع حينها مخاطر الغش والتدليس مما ينسف مسار الانتقال الديمقراطي برمته،
وعليه فانه يتعين علينا جميعا هيئات وسلط دستورية، مجتمع مدني، اعلام وأحزاب... استنهاض هممنا من اجل القيام خصوصا بالمهام التالية:
• الاستعداد ومن الان لتنسيق جهود الصادقين والوطنيين فينا لرسم استراتيجيات وخطط عملية للتنسيق والتكامل بهدف العمل على ضمان التثبت من مشروعية موارد الحملات الانتخابية ونفقاتها،
• المساهمة الفعالة في توفير مناخ سليم وشفاف ومراقبة حازمة لالتزام المترشحين للانتخابات التشريعية والرئاسية بقوانين تمويل الحملات ووسائلها وأن نفرض احترامها بالتعامل مع مختلف الهياكل العمومية،
• مساندة هيئة الانتخابات والقضاء الاداري أو المالي على اتخاذ قرارات جريئة بإلغاء نتائج الفائزين اذا تبينت مخالفتهم لقواعد التمويل مما أثر على نتائج الانتخابات بصورة جوهرية وحاسمة،
• علينا ان ندفع كذلك في اتجاه ان يفرض كل من البنك المركزي ووزارة المالية التدابير اللازمة التي من شانها ان تحول دون التمويل الأجنبي للحملات الانتخابية.
• علينا مساندة هيئة الاتصال السمعي والبصري لفرض القيود المستوجبة على وسائل الاعلام التي تخرق مبادىء الحياد بين القوائم والمترشحين،
• كما نذكر بضرورة واهمية التنسيق والعمل المشترك بين مختلف الهيئات ومنظمات المجتمع المدني في مراقبة نزاهة وسيرورة العملية الانتخابية والمراقبة اثناء الاقتراع فيما يخص احترام قواعد الانتخاب من محاولة التأثير على الناخبين ومحاولة شراء الأصوات وعدم احترام الصمت الانتخابي ...
علينا ان نضمن احترام المبادئ الاساسية للعملية الانتخابية والمتمثلة أساسا في:
- حياد الادارة
- حياد أماكن العبادة
- حياد وسائل الاعلام
- شفافية الحملة من حيث تمويلها
- ضمان المساواة وتكافؤ الفرص بين مختلف المرشحين وتحجير استعمال الوسائل والموارد العمومية...
وفي هذا الإطار تتنزل أهمية دورنا كهيئة وطنية لمكافحة الفساد عبر تنظيمنا لمختلف التظاهرات والأيام الدراسية والورشات التدريبية لتنمية القدرات ومزيد احكام التنسيق مع مختلف المتداخلين والمعنيين سواء من السلط الدستورية أو الهيئات العمومية المستقلة والمجتمع المدني والاعلام...
انه حتما مسار طويل تحف به الاكراهات والمخاطر التي من المتوقع أن تواصل وضعها في طريقنا الى دولة الحق والقانون قوى الفساد والردة واللوبيات المستفيدة منها ولكن لا خيار لنا سوى المضي قدما من أجل خير بلادنا ومستقبل أبنائنا وكما قلناها, نعيدها: الدوام ينقب الرخام.
بقلم العميد
شوقي الطبيب
رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد