الاتحاد العام التونسي للشغل وتحركات قطاعاته في السنة الانتخابية: على من الضغط ؟

خلال الأيام الفارطة تسارعت وتيرة تحرك الاتحاد العام التونسي للشغل وقطاعاته لوضع كلتا يديه في «العجينة»،

فلئن مدت المركزية النقابية يدها اليمنى عارضة برنامجا اقتصاديا واجتماعيا متسلحة بـ١٠١ سوال بهدف التاثير علي المشهد الانتخابي فان اليد اليسرى مدت وعودا وتهديدات صريحة بان فترة الحملة الانتخابية ستدار في ظل احتقان اجتماعي يقوده النقابييون، واخر من لوح بذلك نقابة التعليم الثانوي التي وعدت بعودة دراسية «نضالية» في ذروة الفترة الانتخابية.
منذ جانفي 2019 اعلن الاتحاد العام التونسي للشغل على لسان امينه العام نور الدين الطبوبي انه معني بالاستحقاقات الانتخابية القادمة، تصريح تكرر في اكثر من مناسبة تعمد فيها الرجل الاول في المنظمة الشغيلة الربط بين نقده لحكومة الشاهد واعلانه ان الاتحاد معني بالانتخابات. انخراط لم يحدد شكله بصفة واضحة الا في بداية شهر ماي الفارط، حيث رسمت المركزية لنفسها اطار التفاعل مع الانتخابات عبر تقديم برنامج اقتصادي واجتماعي ودعم من يتبناه من المرشحين.

تصور عدل اثر وفاة الرئيس السابق نسبيا لتنضاف اليه ١٠١ سؤال يبحث من خلالها الاتحاد عن الاطلاع علي ما يحمله كل مترشح للرئاسية والتشريعية معا٫ وهنا يتضح قصد المنظمة وهدفها وهو البحث عن صيد عصفورين بحجر واحد، الاول تثبيت موقعها كلاعب رئيسي في المشهد السياسي في البلاد والذي حققته بعد ادارة الحوار الوطني، وهذا سيكون بمثابة وضع قدم ثابة في اروقة الحكم دون تحمل تبعاته، اي ان المنظمة النقابية تواصل البحث عن ضمان المكتسبات السياسية التي حققتها في السنوات الخمس الفارطة وتثبيتها كتقليد سياسي تونسي لا يقبل التراجع عنه في السنوات القادمة.

العصفور الثاني المستهدف هو ايجاد اليات فرز لتحديد الحلفاء المفترضين والخصوم وابراز ان كان ذلك وفق اسس موضوعية بالاساس استمدت من البرنامج والاسئلة، اي ان الاتحاد يرغب في ان يوفر لنفسه ادوات دعم قوية لبعض المترشحين دون ان يكون ذلك بشكل مباشر وفق عدة اعتبارات من بينها تنوع التيارات السياسية داخله وحساسية البروز كداعم صريح لاحد التيارات وما ينجر عن ذلك لاحقا.

هذا الذراع الاول الذي تعامل به الاتحاد مع الانتخابات وقد ينظر اليه على انه استراتيجي على المدي المتوسط، مما يمنح الذراع الثانية قدرة علي ادارة المسائل التكتيكية، التي تقوم علي تحقيق مكتسبات انية والاستفادة من المشهد والارتباك الذي تعيش على وقعه الاستحقاقات الانتخابية. وهنا تتولي القطاعات النقابية المنضوية تحت سقف الاتحاد مهمة ادارة المرحلة وما يتطلبه ذلك من اليات ليبرز صوت ممثلي القطاعات الاساسية في الاتحاد على غرار الصحة والتعليم والبريد القائمة مرشحة لان تشمل اخرين، هذه الاصوات التي ارتفعت قبل وفاة الرئيس السابق الباجي قائد السبسي في ٢٥ من جويلية الفارط وكانت تتوعد بجملة من التحركات الميدانية وقع التراجع عنها مؤقتا بسبب الوفاة لكنها عادت للواجهة منذ ايام عبر تصريحات صريحة وواضحة.

ابرز مثال على ذلك تصريحات الاسعد اليعقوبي الكاتب العام لجامعة التعليم الثانوي الذي يقول بشكل صريح ان منظوريه ونقابته مستعدون لكل التحركات النضالية مع العودة المدرسية في ١٧ من سبتمبر القادم، لدفع حكومة الشاهد للالتزام بالاتفاقات المبرمة بينهما منذ فيفري ٢٠١٩.
بعيدا عن المطالب ومدى مشروعيتها واليات تنزيلها، هذه التصريحات المتوعدة بالتصعيد لا يغفل احد ان المراد بها تجاوز تنزيل الاتفاقيات. خاصة وان نقابة التعليم الثانوي وعلي لسان كاتبها العام تدرك ان الوضع «خاص» باعتبار تزامن فترة التصعيد مع الاستحقاقات الانتخابية. او تلميحه الي ان الحكومة الحالية ترغب في دفعهم الي التحرك وتعكير الاجواء واصفا ذلك بـ«النوايا المبيته».

نوايا يبدو ان نقابة التعليم الثانوي تعلم مآلاتها جيدا، فهي تدرك بان تحركاتها الموعودة وتهديدها بالتصعيد ستكون سلاحا ذا حدين اما لصالح الشاهد وحكومته ومن خلفهما حزبه تحيا تونس في الاستحقاق الرئاسي الذي يجري دوره الاول قبل يومين من العودة المدرسية والجامعية وما قد يمثله تصعيد النقابة من مادة للجدل السياسي والتجاذب.
مادة يامل اليعقوبي ان تكون سلاحه الاقوى بالضغط علي الحكومة لشراء ود النقابة لضمان عودة مدرسية سلسة وتهدئة المناخ الانتخابي قليلا ليوسف الشاهد الذي ينافس ٢٥ مرشحا اخرين على الظفر باحدى بطاقتي الدور الثاني. لكن ما يغفل عنه اليعقوبي او يتغافل عنه بشكل صريح ان حكومة الشاهد قد لا تجد نفسها مضطرة للذهاب في المسار الذي رسمه لها بل قد تجد في تصعيده ورقة رابحة لبناء مروية سياسية محورها الانفلات النقابي او الضغط المسلط للحيلولة دون الاصلاح وغيرها من مفردات الخطاب السياسي لرئيس الحكومة وحركته.

اللعب بالنار والتلويح بالتصعيد في ذروة السنة الانتخابية، فالموعد الذي يقترح اليعقوبي التحرك فيه سيتزامن مع فترتي الحملة الانتخابية للتشريعية في ٦ من اكتوبر القادم والدور الثاني من الرئاسية والتصعيد في هذه الفترة قد يؤدي الي التشويش علي الاستحقاقيين وتكون له تداعيات اكبر مما قد يتحقق من مكاسب نقابية، فلا احد يغفل عن تصاعد حدة الخطاب الشعبوي ونزعة التصويبت العقابي لدي التونسيين الذين قد يمنحون ثقتهم لمن يعلن عداءه التام لكل النخب التونسيية السياسية والنقابية، اي ان الاتحاد قد يساهم مع سوء اختيار توقيت التصعيد في بروز قوة سياسية معادية له قد تجر البلاد الي مربع ازمة مستفحلة ستحرق بنارها الجميع واولهم من اذكي هذه النار.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115