في ذاكرة التونسيين الذين سيظلون مدينين لهذا الرجل ولابن تونس البار بإنقاذ ثورتهم من براثن الاقتتال التي دمرت دول المنطقة . وطوال سنوات حكمه كان همه الأساسي هو اعادة الاشعاع للدبلوماسية التونسية بعد ما عرفته خلال فترة حكم الترويكا من تخبطات وهنّات سياسية . ولعل حضور عدد من رؤساء ودول العالم لمشاركة التونسيين تشييع رئيسهم يدل على ان قائد السبسي كسب الرهان وأعاد لتونس مكانتها اقليميا وعالميا.
منذ الصباح الباكر انتظروا وصول موكب جنازة الرئيس الباجي قائد السبسي الى مثواه الاخير ، نساء ورجال، شباب في مقتل العمر اطفال وشيوخ اصطفوا على كامل سور الجلاز ومنطقة باب عليوة الى الساعة الثانية والنصف بعد الزوال الى ان القوا نظرة الوداع الاخير ...
حضور امنى مكثف ، تعزيزات وتشكيلات مختلفة متكونة من ، حماية مدنية ، جيش ، شرطة ...الجميع متأهب ، تفتيش الجميع دون استثناء كل قادم ، ومغادر ، تثبت في الهويات من خلال البصمات ، اجراءات مشددة في كامل محيط المقبرة وفي الاحواز ...طائرات تحوم لساعات سيارات الامن في كل زاوية .. وشبر تمشط المكان ...حركة المرور تسير بشكل عادي الى حين الساعة الحادية عشرة صباحا موعد انطلاق المراسم الرسمية للجنازة ...
توافد المواطنين بدأ يزداد شيئا فشيئا الى ان غطت الجماهير ساحة باب عليوة وأمام الجلاز ، ولئن منع الامن الدخول الى المقبرة واقتصر الحضور على الشخصيات الرسمية وعائلة الرئيس فإنهم ظلوا خارجها يواكبون الحدث ... بأعين باكية وخشوع وهدوء احتراما لمكانة الرجل...
وبما ان الرئيس الراحل صاحب مقولة «فبحيث ..تحيا تونس» لم يبخل عليه من احبه من التونسيين بجلب راية الوطن وكتب عليها هذه العبارة ...في حين ارتدى اخرون العلم كقميص .. ورفعه اخرون ملوحين به خلال مرور الموكب ، بالورود وبالياسمين...وهتافات المودعين ترحما عليه كانت ممزوجة بالنشيد الوطني، بالروح بالدم نفديك يا وطن ، تحيا تونس ، ... وكلمات اخرى الوداع يا سيادة الرئيس ، الوداع بجبوج ...والزغاريد.. شيع الموكب ...من لم يحضر على عين المكان لم يفوت الحدث وتابعه على شاشات التلفاز في المقاهي او عبر هاتفه الجوال ...
امتار قبل الوصول الى المقبرة وضع جثمان الرئيس داخل سيارة اسعاف الجيش الوطني الموشحة بالراية الوطنية وباكليل من الزهور وغادرت وترك المجال للوفود المرافقة له للسير وراءها على الاقدام وغادرت الدراجات النارية والخيالة المكان ...واصطف الامنيون محيين موكب الجنازة ... اما داخل المقبرة فبعد ان حمل على اكتاف التشكيلات الثلاثة للجيش البحر والبر والجو وبعد صلاة الجنازة على روحه التي أمها مفتي الجمهورية التونسية الشيخ عثمان بطيخ بمقام «سيدي بالحسن الشاذلي» بحضور رئيس الحكومة والرئيس القائم بالأعمال محمد الناصر والوزراء وعدد من الشخصيات الوطنية على غرار راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة وأيضا رئيس مجلس النواب بالنيابة عبد الفتاح مورو ورئيس البديل التونسي مهدى جمعة ..والعديد من الشخصيات ...
ثم ووري الفقيد الثرى في «تربة قائد السبسي» واقتصر الحضور على عائلته فقط ، ومع قرابة الساعة الرابعة مساء غادر الحاضرون المكان وتفرق المودعون بعد يوم صعب سيرسخ في التاريخ ، شعب يودع رئيسه المنتخب منتظرا ساعات تحت اشعة الشمس دون ملل او كلل ، سيذكر التاريخ الجنازة المهيبة التى شيع بها الباجي قائد السبسي تحت هتافات جماهير عظيمة باكية حزينة ..