عن مخرج من الزاوية التي حاصرها فيها رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الذي امتنع عن ختم تعديلات القانون الانتخابي، بل وأكثر من ذلك أعلن انها غير دستورية لحرق مراكب التراجع عن قراره، ويضع أحزاب الحكم الثلاثة أمام حتمية البحث عن معجزة.
منذ يوم السبت الفارط والمشهد السياسي التونسي يعيش على وقع عدم ختم الرئيس لتعديلات القانون الانتخابي، التي صوت لصالحها البرلمان في جوان الفارط بغالبية 128 صوتا مقابل 30 وامتناع 14 عن التصويت. ولاحقا أقرت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين بدستورية التعديلات لدى رفضها الطعون المقدمة من 51 نائبا.
اقرار الهيئة بدستورية تعديلات القانون الانتخابي الذي فرض شروطا جديدة للترشح للاستحقاق التشريعي والرئاسي، لم تكن المرحلة الاخيرة فقد احالت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين التعديلات الى رئيس الجمهورية ليتخذ بشأنها احد الخيارات الثلاثة المنصوص عليها في الفصلين 81و82 من الدستور.
هذه الخيارات الثلاثة التي تتضمن رد القانون للمجلس او عرضه على الاستفتاء او ختمه والإذن بالنشر لم يكن اي منها الخيار الذي اعتمده الرئيس، بل أضاف خيارا رابعا وهو الامتناع عن الختم.
خيار لم يقع التنصيص عليه في الدستور أو التطرق إليه كإمكانية قد تقع لتبيّن كيفية معالجتها بشكل صريح. ليحل الفراغ الذي سمح بتعدد الآراء والقراءات الباحثة عن تصنيف دستوري لما حدث او عن مصير التعديلات أو دواعي اتخاذ هذا الخيار.
الفراغ بات كبقعة زيت تتمدد، لتجر معها احزاب الائتلاف الحاكم ومعارضيها الى ساحة الجدل بين من يرى ان الرئيس اقترف خطأ جسيما بعدم احترامه لما منحه الدستور من صلاحيات وخيارات. وبين من يرى ان الرئيس انتصر للديمقراطية وانقذ الانتقال السياسي في تونس من مخاطر عملية تغيير قواعد اللعبة قبل انطلاق السباق باسابيع.
لغط لم يدم اكثر من ساعات ليطل المستشار السياسي لرئيس الجمهورية ويعلن عن قراءة مؤسسة الرئاسة للامر، وعناصر هذه القراءة تقوم على ركيزتين، الاولى التعديلات غير دستورية والرئيس يرفض ان يقع تغيير قواعد اللعبة، وثانيها الرئيس هو «حامي» الدستور وهو من يحل محل المحكمة الدستورية في تأويل القوانين والإقرار ان كانت دستورية من عدمها.
هذا ما أعلنه نور الدين بن تيشة خلال اليومين الفارطين، في تصريحات صحفية او لقاءات مضيقة، خصصت لبناء إستراتيجية الرئاسة في خوض الحرب الجديدة بينها وبين القصبة، استراتيجية قوامها حشر القصبة وساكنها في زاوية ضيقة وجر كل حلفائه الى ذات الزاوية معه، بكل الوسائل التي تتاح.
ولان الرئاسة تدرك انها في حرب مع القصبة والائتلاف الحاكم، لم يفتها ان تضع استراتيجية دفاع، برزت يوم امس لدى قيام الرئيس بنشاط هو الاول له بعد دعوة الناخبين في 6 من الشهر الجاري، والثاني بعد مغادرته المستشفى اثر وعكة صحية.
نشاط جمعه بوزير الدفاع لم يتجاوز الثواني هدفه الوحيد هو توجيه رسالة مفادها ان الرئيس هو من قرر وليس الأسرة، بعد ان سبق وكان نجله هو من اعلن يوم الجمعة الفارط عن ان الرئيس لم يختم القانون لانه يرفض الاقصاء. اعلان صدر عن نجل الرئيس حافظ قائد السبسي بعد دقائق من لقائه بنبيل القروي زعيم حزب قلب تونس، الذي كان من اشد معارضي التعديلات لانها تستهدفه.
وثاني الخطوط الدفاعية التي رسمتها الرئاسة ، هي قولها ان التعديلات غير دستورية، وانه في صورة غياب المحكمة الدستورية فان الرئيس هو من يقرر ان كانت القوانين دستورية ام لا، وهذا هدفه ضرب عصفرين بحجر واحد، حرق مراكب العودة عن الخيار، وثانيها ادانة الائتلاف الحاكم لعدم انتخابه لاعضاء المحكمة الدستورية.
خطة الرئيس التي تراوح بين مهاجمة الحكومة وأحزابها، والدفاع ضد اي محاولة لفرض وقائع جديدة على الارض ومنها فرضية عزل الرئيس لخرقه الدستور، وضعت الأحزاب الداعمة للقانون وحكومة الشاهد في موضع لا تحسد عليه. فهم كمن أصابتهم جائحة لا يعلمون مأتاها، ليجدوا لها ردعا.
كل ما تبقى لهم التنديد والادانة والتشديد على ان الرئيس اخترق الدستور ولم يحترمه، ولكن هذا غير كاف للخروج من الزاوية التي حشروا بها، فسارع كل من تحيا تونس والنهضة والمشروع وكل من دعم القانون الى عقد اجتماعات لمكاتبها السياسية ودعوة بقية الاحزاب للحوار والبحث عن مخرج.
مخرج لا يعلم عنه غير «الاسم» فلا احد من المحشورين في الزاوية يمتلك بين يديه وصفة للخروج من الأزمة، ومن كانت له بعض المقترحات سقطت في الماء بخروج الرئيس وإعلان الرئاسة ان التعديلات غير دستورية.
إعلان فهم منه الجميع ان الرئاسة لن تقبل بـ«صفقات» فهي حالت دون اي امكانية ليطل الرئيس ويعلن انه وبعد تفكير قرر الختم، اذ لا يمكن ان يعلن الرئيس على لسان مستشاره السياسي ان التعديلات غير دستورية ويختم بعد ايام او ساعات التعديلات.
هذا ما تدركه الأحزاب الثلاثة بشكل صريح، وتعلم أنها الى غاية اليوم لا تمتلك بين يديها أي حلول وان نسبية للخروج من الأزمة، وضمان صدور التعديلات لتدخل حيز النفاذ.
تعديلات راهنت حكومة الشاهد وحركتها تحيا تونس على أنها قد تعيد ترتيب الساحة الانتخابية من جديد بإقصاء من تعتبرهم منافسين لها افتكوا من خزانها الانتخابي الكثير. لكن هذا التمني ذهب إدراج الرياح برفض ختم التعديلات التي كانت الورقة الأخيرة بيد الشاهد وأنصاره لتعزيز حظوظهم في الانتخابات.
هذا الرهان قد يكون الوقود الذي يحرك الشاهد وحركته لايجاد مخرج من الورطة التي وضعوا بها، وهذا قد يعني اننا قد نرى ما لا يمكن استشرافه من الجميع خلال الساعات القادمة.