سنة الانتخابات، بما يفيد بشكل مباشر باقصاء مرشحي الجمعيات والكيانات «الزبونية» وابرز هؤلاء نبيل القروي وحزبه قلب تونس والفة تراس وجمعيتها عيش تونسي. ثنائي بإقصائه ستتغير الخارطة الانتخابية لكن قد لا تكون في صالح أحزاب الحكم التي اقرت ضمنيا بالهزيمة بلجوئها لتغيير قوانين اللعبة قبل اشهر قليلة من الانتخابات.
اليوم وامس نشرت «المغرب» نتائج اخر سبر اراء٫ ثبت التحول في بسيكولوجيا الناخب التونسي الذي يتجه شيئا فشيئا الى التصويت العقابي في استمرار لنهج انطلق فيه منذ الانتخابات البلدية في ماي 2018 التي عبر فيها الناخب عن احتجاجه اما بالعزوف عن الصندوق او بالتصويت للقائمات المستقلة بدلا عن القائمات الحزبية والائتلافية.
هذا التعبير سواء في ماي ٢٠١٨ او في نتائج سبر الاراء اقتصر على كشف عمق الاحتجاج على المنظومة الحزبية لينقله الزخم بشكل صريح الى «التصويت العقابي» بعد توفر العرض المغري والمعبر عن هذه النزعة العقابية بالنسبة للناخب التونسي الذي تكشف نوايا التصويت انه يضع حزب نبيل القروي «قلب تونس» في صدارة الاحزاب في الانتخابات التشريعية بنسبة تقارب ٣٠ % من الاصوات وبدرجة اقل يمنح عيش تونسي ٧ نقاط. اي ان ثلث الناخبين المعربين عن نوايا تصويتهم اختاروا التعبير عن احتجاجهم او رفضهم للمنظومة الحزبية بالتصويت لطرفين أعلنا بشكل صريح عن رفضهما للمنظومة الحزبية وشيطنوها.
خطاب «قلب تونس» و«عيش تونسي» يتقاطع في عدة نقاط اولها ان خطاب الكيانين «ما فوق الجمعياتي ودون الاحزاب» تميز بنقد جذري وراديكالي لمنظومة الأحزاب التي صنفت على انها "الكارثة" التي لن ينقذ التونسيين منها الا هذه الكيانات التي انشأت شبكة زبونية وانفقت أموالا ضخمة في أعمال ظاهرها خيري وباطنها التبشير ببديل غير حزبي قادر على النجاح فيما اخفقت فيه المنظومة الحزبية، الحاكمة والمعارضة.
خطاب مكن بالاساس قلب تونس من منافسة كل الاحزاب دون استثناء على قاعدتها الانتخابية، بل وافتك الكثير من الخزان الانتخابي لاحزاب الحكم خاصة حركة نداء تونس، بمكوناتها التاريخية (تحيا تونس والنداء والمشروع وبني وطني) التي منحها اخر سبر اراء لنوايا التصويت ١٥ % مجتمعة بتراجع تجاوز ١٥ نقطة. حيث يخسر النداء التاريخي ثلث من صوت له في انتخابات ٢٠١٤ لصالح حزب نبيل القروي٫ اذ كشفت نتائج سبر الاراء ان ٣٢ % ممن صوتوا في انتخابات ٢٠١٤ وماي٢٠١٨ لصالح حركة نداء تونس اعربوا عن نيتهم التصويت لحزب «قلب تونس».
هؤلاء قد لا يعدلون من موقفهم العقابي لحركة نداء تونس رغم التعديلات التي ستقصي كلا من «عيش تونسي» و«قلب تونس» ليكون امامهم اكثر من خيار اولهم الحزب الحر الدستوري الذي قد يستفيد من القانون ويستعيد زخمه الذي خسره بصعود نبيل القروي وحزبه، كما ان الخيارات متاحة امام ناخبي نبيل القروي ومشروعه السياسي ومنها احزاب المعارضة كالتيار الديمقراطي وافاق تونس والبديل التونسي. دون اغفال امكانية عودتهم للنداء التاريخي بكل مكوناته٫
النداء التاريخي لم يكن الضحية الوحيد للتصويت العقابي فحركة النهضة بدورها سجلت تراجعا في نتائجها الى ١٥ نقطة وهي اضعف نتيجة حققتها النهضة منذ الثورة.
حركة النهضة التي لم تتحصل على نتائج دون %20 في عمليات سبر الآراء منذ الثورة٫ شهدت للشهر الثالث على التوالي نتائج دون 20 % ، حيث حققت ١8% في ماي و%16.8 في جوان و١٥% في جويلية الجاري اذ ان صعود «حزب» نبيل القروي كان على حساب النهضة اذ افتك القروي حوالي ١٧ % من ناخبي النهضة في ٢٠١٤ وفي ماي٢٠١٨ وبغياب قائمات حزبه سيعود هؤلاء نظريا للتصويت للنهضة باعتبار ان العرض الذي يبحثون عنه لا يوجد الا في حركة محافظة بالاساس.
منافسة «قلب تونس» حتى قبل تاسيسه و«عيش تونسي» لاحزاب الحكم واستيلاء هذين الوليدين على حصة هامة من الخزان الانتخابي لاحزاب الحكم٫ بالاساس حركة نداء تونس وبدرجة اقل النهضة، يبدو انه كان العامل الاساسي خلف تغيير شروط الترشح لاقصاء القروي وتراس لكن هذا لا يضمن للحركتين تحيا تونس والنهضة التعافي واستعادة ثقة الناخبين٫ فاقصاء القروي و«عيش تونسي» ليس الا اقصاء لعرض سياسي دون معالجة للظاهرة التي ساعدت على بروزه، وهي غياب الثقة في المنظومة الحزبية واتجاه الناخب التونسي الى معاقبتها.
جنوح جزء هام من الناخبين التونسيين الى التصويت العقابي بهدف معاقبة المنظومة الحزبية التي يحملونها مسؤولية تدهور الاوضاع، يبدو انه لن يتاثر كثيرا بغياب العرض الانتخابي المعبر بشكل صريح عن هذه النزعة٫ اذ ان الوضع الان شبيه بما كان عليه الامر في ماي٢٠١٨، حيث عبر الناخب التونسي عن احتجاجه بطريقتين الاولى العزوف والثانية التصويت لقائمات مستقلة. تصويت احتجاجي قد يتكرر مع الانتخابات التشريعية القادمة، سواء بضعف مستوى المشاركة او بالتصويت لقائمات مستقلة ان وجدت.
كما ان غياب العرض العقابي من خارج المنظومة الحزبية سيكون لصالح الحزب الحر الدستوري الذي نجح في الاشهر السابقة في تحقيق تقدم هام بالاستناد لخطابه المعادي لمنظومة الثورة واحزابها وللاسلام السياسي٫ في مسعى لتقديم بديل للناخب التونسي قبل ان يتاثر الحزب نفسه بصعود كيانات سياسية زبونية شعبوية تعادي المنظومة الحزبية برمتها. هذه الكيانات الزبونية التي قد يسمح غيابها عن المنافسة الانتخابية باستعادة الدستوري الحر لجزء من زخمه.
لكن الواضح ايضا ان غياب الكيانات الشعبوية عن المنافسة الانتخابية لن يكون في صالح احزاب المعارضة التي فشلت في الاستفادة من اخطاء منظومة الحكم ومن رغبة الناخبين في معاقبتها. غير انه لا الجبهة الشعبية ولا التيار الديمقراطي ولا حركة الشعب أو حراك تونس الإرادة تمكنوا من الاستفادة من انهيار أحزاب الحكم ، ولم يصمدوا أيضا أمام موجة الكيانات الزبونية.
عدم القدرة على استثمار اخطاء منظومة الحكم وخلق دينامكية تنقل احزاب المعارضة من خانة الاحتجاج الى القدرة على توليد قوة انتخابية يبدو انه سيستمر مع احزاب المعارضة البرلمانية الخمسة٫ لتفشل في استثمار غياب البديل العقابي المغري وتقدم نفسها للتونسيين كعرض يحقق للناخبين غايتهم وهي «معاقبة» منظومة الحكم.