أن حصيلة حكمهم في الخمس سنوات الأخيرة كانت إيجابية ، حقّقوا فيها وعودهم الانتخابية وعرفت البلاد عند توليهم للسلطة ،تأمينا لمكاسب الشعب و تطويرا لها ، ووفّرت للمواطن سبل العيش الكريم ، و للدولة متطلبات التقدّم والرخاء.
غير أن المتابع للشأن العام يلاحظ أنه بإستثناء التجاوز النسبي لهشاشة الوضع الأمني والعسكري، فإن الأوضاع ازدادت تدهورا و أن الحلول الترقيعية الّتي تمّ اعتمادها لذر التراب في العيون ، ورطت الحكومات القادمة في تبعات مزيد التداين و السياسات الخاطئة في معالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
والغريب أن الأحزاب المشاركة في السلطة والتشكيلات السياسية المتحالفة معها أو المرتبطة بها ، تريد ان توهم الشعب بأنها بصدد نسج تحالفات قادرة على تغيير الأوضاع نحو الأفضل ، محاولة صرف الأنظار عن تقييم فترة الحكم الّتي هي على مشارف النهاية .
و حتى و إن أبدى هؤلاء الماسكون بالسلطتين التشريعية والتنفيذية ، رأيهم بخصوص تقييم حصيلة سياستهم و أعمالهم ، فإنهم يردّون فشلهم إلى النظام السياسي الّذي عطلهم وأعاقهم عن «تفتيق» مواهبهم لتجاوز الازمة الّتي تعيشها البلاد ، أو يردّون تواطؤهم مع القوى الجاذبة إلى الخلف، عدم حماية المكاسب الّتي تحققت و عدم ضمان الحد الأدني للعيش الكريم للمواطن ، إلى ضرورة أحكام «التوافق».
لذلك يحاول أتباع حكومة الشاهد والمتحالفين معها إبراز قرار إندماج حزب «المبادرة الدستورية الديمقراطية» في حركة «تحيا تونس» و ضم تشكيلات أخرى هو الحل السحري لإنقاذ تونس ممّا هي فيه ،وهو إندماج تم عبر معادلة عكسية جعلت الحزب السابق يندمج في الحزب اللاّحق (بدل أن يحصل العكس) وكل ذلك تحت أنظار «العين الرقيبة» لحركة النهضة، الّتي بدت تتجلّى لها سبل ضمان موقعها كحَكَم و مُتحكّم في مشهد المستقبل القريب .
فهؤلاء المندمجون و خلفهم العقول المدبّرة المستفيدة ، يتجاهلون أنهم من المسؤولين عمّْا وصلت إليه تونس اليوم و أن رصيدهم سلبي في كل المجالات تقريبا ، و تطلعهم لمواصلة الإمساك بدواليب السلطة ، لا يزيد الشعب إلاّ مزيدا من المخاوف.
و إن حزب النهضة الّذي يريد أن يظهر بمظهر الضحية و يسعى كي تطوى صفحة ماضيه وحاضره في غوغائية التنافس السياسي، يتحمل في جزء هام ما نحن فيه . و مرّة أخرى نذكّر بأن فترة الترويكا الّتي كان المتحكّمُ فيها ،هيأت أسباب الإنخرام السياسي و زرعت بذور إضعاف سلطة الدولة ، و ذلك لغياب إيمانها بالدولة المدنية الحديثة و تشبثها بمشروع مجتمعي مغاير ،و قناعتها بأنها المستفيدة من التفكك .
لن نضيف جديدا إن قلنا أن القوى السياسية الحاكمة خذلت المواطن التونسي لأنها لم تفعل شيئا يريح عموم الناس في مجالات الصحة والتعليم و التشغيل والمعيشة اليومية و كلها مجالات حيوية متصلة بالواقع المعاش للمواطن و بهمومه اليومية . كما أن النواب الّذين تمّ اختيارهم على أساس وعودهم الانتخابية فشلوا في تحقيق ما ينتظره المواطن منهم، حسب ما تلقاه من وعود . و تغيير الكتل النيابية و بناء تحالفات جديدة لن يحجب عن الناخبين حقيقة الفشل الّذي ميّز أداءهم . و الدليل على ذلك الفشل في استكمال المؤسسات الدستورية و في مقدمتها المحكمة الدستورية و سن التشاريع الموعود بها .
ولو عدنا إلى التاريخ و استعرضنا ما حقّقه بورقيبة و حكومته خلال خمسية حكمه الأولى في ما بين 1956 و 1961 فقط ،أو ما تم سنه من تشاريع من «مجلس الأمّة» في نفس الفترة أو الفترة الّتي تليها ، لوقفنا على الفرق بين طينة السياسيين الأكفاء المسكونين بالحس الوطني الخلاق ،و طينة اللاّهثين وراء المواقع والكراسي لإشباع أنانيتهم و طرز انتهازيتهم . فالأخيرون صنعتهم الصدف لأن أغلبهم ،بلا كفاءة ولا ماضي ناضلي و لا قدرات معرفية أو تميّز سياسي أو فكري، في حين تميّز الأولون بالكفاءة والحماس و الوطنية والإرادة الصادقة في بناء دولة توفّر الممكن و تعدّ للمستقبل وتبني للأجيال القادمة.
لقد كان الساسة الوطنيون يخجلون حين تعوزهم الامكانيات أو السبل لتحقيق نتائج ايجابية ،و لكن يتبجّح أغلب ساسة اليوم بما توخوه من طرق ملتوية و بما تفنّنوا في رتقه وتركيبه من مواقف و نجاحات (في الحقيقة وهمية) لمغالطة الشعب و حتى لمغالطة أنفسهم ، فتراهم يطلعون مجدّدا لتقديم أنفسهم منقذين لبلاد أهدروا مالها و عمّقوا أزمتها ،وفرّطوا في مكاسبها و خذلوا شعبها و طموح شبابها .