الخاص بالتحركات الاحتجاجية في الثلاثي الأول من السنة الجارية وايضا التقرير الخاص بشهر أفريل الفارط، مؤشرات تبين تصاعد التوتر الاجتماعي في السنة الانتخابية.
النصف الملآن من الكأس، ان تعلق بما تضمنه تقرير المرصد الاجتماعي التونسي التابع للمنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية. يتمثل في تراجع التحركات الإحتجاجية وحالات ومحاولات الإنتحار في تونس خلال الثلاثية الأولى من 2019. حيث سجل خلال الاشهر الثلاثة، جانفي فيفري مارس 2324 تحركا احتجاجيا. موزعة كالتالي 888 تحركا احتجاجيا في جانفي و732 في شهر فيفري و704 في مارس الفارط.
هذا الرقم الاجمالي للتحركات الاحتجاجية خلال الثلاثي الاول أقل من نظيره في السنة الفارطة التي سجل فيها 3315 تحركا في ذات الأشهر الثلاثة، التي شهدت بدورها تراجع وتيرة الاحتجاجات، اذ سجل شهر جانفي 2019 عدد احتجاجات اقل من 1000 لاول مرة منذ الثورة.
لكن رغم هذا التراجع حافظ شهر جانفي على كونه بداية موسم الاحتجاجات في البلاد، موسم يمتد الى غاية نهاية شهر ماي الجاري، قبل حلول اجازة الصيف. التي باتت تقليديا فترة التهدئة وتقلص الاحتجاجات.
وبين التقرير ان الاحتجاجات الاجتماعية حافظت على ذات المطلبية التي اتصلت طيلة سنوات الثورة بنفس المجالات والقطاعات. وكانت في الصدارة التحركات غير المؤطرة حيث مثلت بمفردها 72 % من التحركات الاحتجاجية أي 1674 تحركا.
كما أن تقرير الثلاثية الأولى لسنة 2019 لم يقتصر على رقم الاحتجاجات بل تضمن توزيعها الجغرافي والنوع الاجتماعي للمحتجين وطبيعة المطالب، ليكشف انها ذاتها التي دفعت التونسيين للتحرك في السنوات الفارطة، مع تغيرات طفيفة في العناوين. إذ أنّ المطلبية والتحركات الاجتماعية غير المؤطرة اعتمدت ذات آليات الاحتجاج من مسيرات ومظاهرات واعتصامات وقطع للطريق.
اليات اعتمدت من قبل التونسيين لتحقيق مطالب صنفها المرصد الى 11 قطاعا وهي الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والتربوي والبيئي والاداري والديني والصحي والاني والبنية التحتية واخير الرياضي الذي لم يسجل في خانته أي تحرك احتجاجي. في المقابل كانت أزمة التعليم الثانوي خلال شهر جانفي الفارط هي المسيطرة على التحركات التي عاشت على وقعها البلاد سواء الاحتجاجات الصادرة عن التلاميذ أوالأساتذة أوالأولياء.
ولئن اتسم شهر جانفي بسيطرة ازمة التعليم الثانوي فان شهر فيفري الفارط ارتبطت تحركاته الاحتجاجية بالاساس بالبنية التحتية والأوضاع البيئية وانقطاعات الماء الصالح للشراب والمطالبة بالتنمية والتشغيل.
في حين كانت ازمة قطاع الصحة هي المهيمنة على التحركات الاحتجاجية، وكانت الشرارة حادثة وفاة الرضع بمستشفى الرابطة بالعاصمة، التي خلفت موجة من الاحتجاجات تطالب بمحاسبة السياسيين وبتحسين الخدمات الصحية المقدمة في المستشفيات. وقد اتسعت رقعة الاحتجاجات لتطالب بتحسين الخدمات الصحية في عدد من الولايات من بينها القيروان والقصرين وقفصة وايضا كل من جندوبة ونابل.
ثلاث من هذه الولايات اضافة للعاصمة وسيدي بوزيد هي الجهات التقليدية للاحتجاجات منذ الثورة، حيث سجل بها 1162 تحركا أي 50 %من حجم التحركات، لكن الثلاثية الاولى شهدت بدورها بروز ولايات جديدة تصاعد نسق الاحتجاجات فيها عن السنوات السابقة وهي صفاقس ونابل وجندوبة.
هذه المؤشرات الخاصة بالاشهر الثلاثة الاولى، اما بالنسبة لشهر افريل الفارط فان التقرير الخاص بالتحركات الاحتجاجية به حمل تطورا نسبيا رغم الحفاظ على التراجع الطفيف في التحركات المسجلة مقارنة بالسنة الفارطة، اذ انخفض الرقم الى 1305 تحركا بعد ان كان 1345 سنة 2018.
لكن انخفاض رقم الاحتجاجات لم يحل دون تسجيل ارتفاع التحركات الاحتجاجية في قطاعات محددة، وهي بالاساس الاقتصادي والاجتماعي والبنية التحتية، حيث ارتفع عدد التحركات الاحتجاجية في هذه القطاعات الثلاثة الى 554 تحركا بعد ان كان 390 سنة 2018. كما برزت فيه ولاية سوسة كرابع جهة في الترتيب من حيث عدد الاحتجاجات الاجتماعية.
تقريران مفصلان عن الاحتجاجات الاجتماعية في تونس، يشملان الاربعة اشهر الاولى من سنة 2019، قد يرى البعض ان تراجع عدد التحركات فيها هو الاهم، ليبصر نصف الكأس الملآن غافلا عن النصف الآخر، والمتمثل في ان سنة 2019 هي سنة انتخابية، أي تفترض ان ينخفض نسق الاحتجاج بشكل لافت باعتبار ان الناخبين سيتوجهون الى صناديق الاقتراع.
لكن في تونس شهدت هذه السنة تحركات احتجاجية بلغت 3631 الى غاية افريل الفارط، وهو رقم مفزع يكشف ان المناخ الاجتماعي الراهن متوتر وهذا سيلقي بظلاله على الانتخابات التشريعية في اكتوبر 2019 والرئاسية في نوفمبر من ذات السنة.
انتخابات يبدو ان مناخها العام سيكون ساخنا ومتوترا في ظل احتقان اجتماعي مرشح للارتفاع وتصاعد حدة عنف الخطاب السياسي مع الاقتراب من موعد الاستحقاق التشريعي.