ممهدا لسؤال جديد يتعلق أساسا بالتونسيين في الجماعات الإرهابية بمالي التي باتت قبلة هؤلاء خاصة من مرّ بالساحة السورية.
تتجنب السلطات التونسية القول صراحة بان هناك تطورا جديدا في ملف الجماعات الإرهابية، إذ تقتصر المعطيات التي تقدمها السلطات، سواء الأمنية او العسكرية على العمليات الاستباقية وما تحققه من نجاحات على الجماعات الإرهابية المتمركزة بالجبال التونسية.
ما تتجنب السلطة قوله صراحة ولكن لا تنفيه حينما يوجه إليها السؤال، ان «الوجهة الجديدة» للتونسيين المنتسبين لجماعات إرهابية باتت مالي التي استقبلت خلال السنة والنصف الفارطة عشرات التونسيين ممن نشطوا سابقا في تنظيم داعش الإرهابي بكل من سوريا والعراق اضافة الى عشرات كانوا ينشطون في تنظيمات إرهابية بليبيا سواء الموالية لداعش او القاعدة.
تونسيون قرروا الفرار من الساحة السورية/ العراقية في ظل خسارة تنظيم داعش لمراكز نفوذه وتضييق الخناق عليه، إضافة إلى الصراعات العقائدية التي شهدها التنظيم بين صفين من أتباعه، الاول عرف باسم «الحازميين» نسبة إلى السعودي أحمد بن عمر الحازمي، والثاني يعرف باسم «البنعليين» (نسبة لتركي البنعلي). صراع نجمت عنه في السنتين الفارطتين، سيطرة الحازميين على مفاصل تنظيم داعش الإرهابي وهذا أدى الى سجن وإعدام قادة تيار البنعليين، ومن بين هؤلاء تونسيون وان بنسبة قليلة مقارنة بعدد من التحقوا بتيار الحازميين. (يقدر عددهم الجملي بين 200 و300 شخص).
واقع تغيير منذ أشهر بعد ان انحازت قيادة التنظيم الإرهابي ممثلة في «أبي بكر البغدادي» وكبار معاونيه، إلى تيار «البنعليين»، وشنت حملة اعتقالات وإعدامات استهدفت عناصر «الحازميين». لكن في الحالتين دفع الصراع بعدد من التونسيين إلى الفرار من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش.
فرار قاد جزءا منهم إلى مالي مرورا بليبيا التي مثلت صحراؤها بوابة عبور التونسيين للالتحاق بجماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، التي اعلن في فيفري الفارط ان زعيم انصار الشريعة المحظور سيف الله بن حسين قتل في غارة للقوات الفرنسية على احد مواقعها بمنطقة تمبكتو بمالي.
تواجد سيف الله بن حسن في مالي، يبدو انه مهد لان تصبح وجهة للتونسيين من متبني الفكر التكفيري، بل ويبدو انه ساعد على اقناع قادة التنظيم الجديد باستقبال التونسيين خاصة الفارين من سوريا وليبيا وإلحاقهم بجماعة نصرة الاسلام والمسلمين. هذه الجماعة التي أعلن عن تأسيسها بشريط فيديو صورته مؤسستها الإعلامية الزلاقة بثّ في 2 مارس 2017، وقد تضمن كلمة لزعيم التنظيم الجديد.
كلمة قالها رجل يتوسط خمسة من «اخوته»، وهو إياد أغ غالي زعيم تنظيم أنصار الدين الذي جلس بين كل من جمال عكاشة، زعيم جبهة الصحراء التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ومحمد كوفا زعيم جبهة تحرير ماسينا والحسن الأنصاري من قادة تنظيم المرابطون وأبو عبد الرحمن الصنهاجي قاضي القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
هذا الخماسي الذي أعلن تجمعهم واندماجهم في هيكل واحد، بايع أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة، وايضا أبو مصعب عبد الودود أمير تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وهبة الله أخوند زاده (أمير تنظيم طالبان). قبل ان يقع الإعلان عن اختيار إياد أغ غالي زعيما للتنظيم الجديد.
أربع منظمات إرهابية اندمجت سويا في تنظيم جديد بايع القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، في 2017 بعد ان كانت ولاءاتهم متفرقة، فأنصار الدين والمرابطون سبق وان حلوا بيعتهم للقاعدة من اجل مبايعة داعش الارهابي منذ 2014. لكن تطورات المشهد السوري والعراقي، غيرت البيعة مرة اخرى لتعود للقاعدة ببلاد المغرب الإسلامي. وهذا قد ساعد على استقبال التونسيين ممن التحقوا سابقا بداعش.
لكن ليس جل من التحق بجماعة نصرة الإسلام والمسلمين سبق وكان من أتباع تنظيم داعش، اذ كانت مالي وجهة للتونسيين من متبني الفكر الجهادي قبل وبعد 2011، اذ بلغ عدد هؤلاء سنة 2012 اكثر من 50 شخصا جلهم ينشطون في جماعات مرتبطة بالقاعدة.
كما ان انهيار تنظيم انصار الشريعة بليبيا دفع بالتونسيين ممن كانوا تحت حمايته الى الفرار لمالي، بمساعدة من تنظيم أنصار الدين بزعامة إياد اغ غالي، الذي كان ينشط في منطقة الساحل والصحراء الممتدة من ليبيا الى مالي. منطقة برزت فيها عدة تنظيمات إرهابية اندمجت في 2017 لتثبت موقعها كقوة مهيمنة خاصة في مالي التي تعيش على وقع حرب مفتوحة بين جماعات إرهابية والجيش المالي والجيش الفرنسي.
حرب نجم عنها سيطرة الجماعات الارهابية على جزء من البلاد وهذا مثل ملاذا لاتباعها ويبدو انه كان احد اسباب فرار التونسيين اليها، اضافة الى وجود «عدو كافر/ صليبي» وفق منهجهم. اي وجود تنظيم حاضن ومناطق تحرك امنة وعدو يحارب وهنا هو الجيش الفرنسي بالاساس.
ثلاثي أغرى التونسيين بالالتحاق بجماعة نصرة الإسلام. لكن ما الذي أغرى الجماعة لتلحق بها التونسيين، هذا ستكشفه الاحداث؟.