ويبدو انها ستواصل اللعب بهذه الورقة لضمان نهاية عهدة هادئة، لكن ليس مع كل القطاعات. فالتجربة بينت للحكومات ان هامش مناورتها ضيق أمام الإضرابات واتحاد الشغل.
بداية الأسبوع الجاري، دعا الاتحاد الجهوي للشغل بتطاوين أعوان واطارات شركة «سيتاب» البترولية في حقل البرمة الى الإضراب حضوريا عن العمل انطلاقا من الثلاثاء الماضي والى غاية الجمعة القادم، إضراب مآله قطع انتاج النفط من حقل البورمة بهدف إجبار الإدارة على تفعيل مطلب تنظير سلم الأجور مع الشريك الإيطالي «إيني».
إضراب وجدت الحكومة آلية للتقليل من تداعياته على إنتاج النفط، خاصة وان حقل البرمة يوفر 6300 برميل نفط يوميا وفق إحصائيات 2014 وهو من اكبر الحقول المنتجة للنفط في تونس بعد حقل صدر بعل.
هذه الآلية التي لجأت إليها الحكومة عبر وزارة الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، هي تسخير عدد من الإطارات والعمال بالشركة لضمان استمرارية الحد الادنى من خدمات المرفق العام منذ أول أيام الإضراب، وهو قرار لم يستسغه الاتحاد الجهوي للشغل بتطاوين، الذي اصدر أمس بيانا اعتبر فيه ان قرار التسخير الخاص بشركة «sitep» البترولية، غير قانوني وإتّهم إدارة الشركة وسلطة الإشراف بالتعنّت والمماطلة ومحاولة إفشال الإضراب باتخاذ هذا القرار.
قرار حمّل الإتحاد الجهوي للشغل إدارة الشركة مسؤولية ما سينجر عنه نظرا لحالة الاحتقان والتوتر من القرار الذي قال الاتحاد الجهوي أن تطبيقه محدود وفق الفصل 389 من مجلة الشغل، الذي يجيز إصدار قرار تسخير بهدف الحيلولة دون الإخلال بالسير العادي لمصلحة المواطن. مصلحة يرى الاتحاد الجهوي انه لم يقع الإخلال بها بإضراب أعوان شركة sitep، ولكن الحكومة والوزارة يرون عكس ذلك.
ولا تقف رؤية الحكومة عند حد إضراب أعوان الشركة في تطاوين، فهي باتت تتبع تمشيا جديدا مفاده ان الإضرابات في قطاعات حساسة ومنتجة كالمحروقات لن يقع السماح بها، توجه لا تعلنه الحكومة بشكل رسمي، ولكن خطاب رئيسها في 1 ماي الجاري بين ملامح هذا التوجه الجديد.
توجه اعتبر فيه يوسف الشاهد انه لا توجد خطوط حمراء الا المصلحة الوطنية، مصلحة دفعته الى إصدار قرار تكليف الجيش بتولي نقل المحروقات يوم السبت الفارط بعد فشل جلسة التفاوض مع الممثلين النقابيين للقطاع، ودفعته الى اصدار قرار تسخير لاعوان شركة «سيتاب».
خيار يبدو ان حكومة الشاهد قد تلجأ اليه في قطاعات حساسة ولكن عند ضمان نجاح خيار التسخير فيه او ضمان ان تكليف الجيش سيمر بيسر، فهي لاتزال تتذكر كيف ووجه قرار التسخير في إضراب 17 جانفي الفارط والحال ذاته لقرار تكليف الجيش بتامين رحلات شركة الملاحة الوطنية.
قرارات تدرك الحكومة ان اللجوء اليها ليس مضمون العواقب دائما، ولكنها تراهن على موقف المركزية النقابية في الامر، فهي تدرك ان المركزية قد تجد نفسها عند الاضطرار تساير قرار الحكومة كما تم في قطاع نقل المحروقات، دون الإغفال عن ان الصمت مرده ان القطاع يتبع الخواص.
مسايرة المركزية النقابية قد تكون في القطاع العام او الوظيفة العمومية في حالات محدودة، على غرار التسخير الطوعي في التعليم العالي، حيث أشار رؤساء الجامعات الى ان الامتحانات ستجرى في موعدها وسيقع تامينها من قبل الأساتذة الجامعيين غير منضوين إلى اتحاد اجابة.
قرار لم يقابله رفض الاتحاد، وهذا ما تراهن عليه الحكومة والوزارة، فهما تراهانان على ان صراع النقابات ومن له شرعية تمثيل القطاع قد يساعدها على ضبط عدد من القطاعات، لكن هذا يغيب في قطاعات اخرى كالصحة والتعليم والنقل، وهي قطاعات لا تمتلك الحكومة الكثير من اوراق الضغط او المناورة فيها.
محاولات تقوم بها الحكومة وهي تدرك انها في آخر عهدتها وانها مطالبة بتهدئة المناخ الاجتماعي وضمان سير توفير ادنى الخدمات العمومية للتونسيين ان ارادت ان يكتب لها النجاح في الانتخابات القادمة، وان تبرز في صورة الحكومة الجادة والحازمة لكن دون صدام حاد مع الاتحاد.