أقل من 6 أشهر على الانتخابات التشريعية: من يحمي الديمقراطية من المال السياسي؟

يوم أمس لم يعد الحديث عن شبهات تتعلق بالمال السياسي مجرد تهم يلقيها الخصوم، اذ كشفت محكمة المحاسبات في تقريرها المتعلق بالانتخابات البلدية الأخيرة،

عن وجود تجاوزات عدة في الحملات الانتخابية تورطت فيها أحزابا وقائمات مستقلة، كلاهما تطارده شبهات فساد مالي.

منذ انطلاق مناقشة مرسوم الانتخابات والأحزاب اثر الثورة، كان الجدل محتدما بين أعضاء هيئة تحقيق أهداف الثورة بشان أفضل السبل لحماية الانتقال الديمقراطي في تونس من لوثة المال السياسي وخاصة المال الفاسد.جدل انتقل الى الفاعلين السياسيين واستمر بينهم حتى بعد الانتهاء من المصادقة على القانون الانتخابي في 2014 وتنقيحه قبل الانتخابات البلدية.
هذا الجدل كان يتعلق بكيفية مراقبة تمويل الأحزاب والحملات الانتخابية، بين الداعي لتخفيف القيود المفروضة على مصادر التمويل وبين تشديدها خاصة للحيلولة دون التمويل الأجنبي أو المال الفاسد. جدل انتهى إلى لا شيء فالقانون الانتخابي الذي وقعت المصادقة عليه في نسخته الأولى او المعدلة لاحقا بمناسبة الانتخابات البلدية لم يحل دون اختراق الشروط المفروضة على مصادر التمويل لتكون مثلها مثل الانتخابات التشريعية والرئاسية السابقتين اللتين سجلت في التقرير المتعلق بهما شبهات فساد مالي، (انظر مقال دنيا حفصة).

استحقاقان انتخابيان تفصل بينهما ثلاث سنوات وأشهر كلاهما اخترق بالمال السياسي بطرق مختلفة، وهذا يولد مخاوف كبرى من ان تخترق الانتخابات القادمة في أكتوبر ونوفمبر بذات الطريقة ويتسرب المال السياسي في العملية الانتخابية بهدف التأثير في مجرياتها، وإن لم يؤثر فانه سيهدم مصداقية العملية الانتخابية.

مصداقية هي اليوم محل تساؤل بسبب غياب العقوبات التي نص عليها القانون الانتخابي ضد كل من يثبت وجود تلاعب في تقاريره المالية او شبهة تلقيه اموالا على غير الصيغ القانونية المنصوص عليها او تجاوز سقف الإنفاق الانتخابي. عقوبات تتضمن في أقصاها إسقاط القائمة التي ثبت تجاوزها، لكن هذا لم يقع تطبيقه بعد في تونس، فالقضايا التي أحالتها محكمة المحاسبات/دائرة المحاسبات سابقا على القضاء بشان وجود شبهات تلقي تمويلات آلية أجنبية في الاستحقاق الرئاسي السابق لم تشهد اي تطور من يومها.كما ان الآليات القانونية لمراقبة تمويل الأحزاب خارج فترة الانتخابات لم يقع تركيزها بعد رغم تنصيص القانون عليها.

اليوم ولتجنب ان تنحرف الديمقراطية التونسية الناشئة بلوثة المال السياسي، وجب ان يقع التحرك لمحاسبة من ثبت تورطه في تجاوزات مالية في الانتخابات البلدية الاخيرة، فتجاهل المحاسبة قد يكون عاملا مشجعا على الاستمرار في التجاوز وهذا يعني اننا نضع التجربة برمتها في خطر.
فالديمقراطية وان لم تكن تقتصر على الصندوق والتصويت الا ان هذا احد ابرز ركائزها، وهي أن الشعب يفوض بإرادته الحرة وقناعته ممثلين عنه، هذا التفويض سيصبح غير حر بتأثير المال بشكل مباشر او غير مباشر .

فعملية اختيار من يفوض الشعب السلطة سواء التشريعية او الرئاسية او المحلية، تنطلق من وجود تنافس نزيه بين مرشحين لهم ذات الحظوظ، ودخول المال السياسي في العملية سيرجح كفة منافسين على حساب آخرين، كما ان المال السياسي، ينسف فكرة «مركزية صوت الناخب» في المسار الديمقراطي برمته.
فصوت الناخب هو من يحدد لمن يؤول التفويض لممارسة الحكم واية خيارات يقع التوجه اليها، لكن بدخول المال السياسي سواء لشراء ذمم الناخبين او التأثير عليهم بأساليب مختلفة، يضع شرعية المنتخب محل تساؤل، وهذا ينسف جوهر العملية الانتخابية المراد منها منح الشرعية لجهة لتسير الشان العام.

كما ان المال السياسي، مهما كان مصدره أجنبيا أو لوبيات داخلية، يرهن الحياة السياسية لفاعلين من خارجها، سواء أكانت أطرافا اجنبية او لوبيات فساد او غيرها. كما يهدم مبدأ المساواة بين المواطنين/الناخبين. اذ لن يكون الناخب/ المواطن هو الجهة المراد خدمتها لضمان استمرار التفويض بل مصدر التمويل لضمان تدفق المال الذي تخاض به الانتخابات.هذا الارتباط سيجعل من آراء الجهات المانحة اهم من اراء المواطنين والناخبين.

لهذا فان التتبع القضائي والتسريع في البت والحكم ليس مجرد «ترف» او حسابات ربح وخسارة انما امر جوهري لحماية فلسفة الانتخاب والتفويض، التي تقوم على الخيار الحر والتنافس النزيه.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115