على «حماية الأب وارثه»، ثلاث سنوات مرت على الحوار حملت معها أحداثا وتورطا كشف ان اكبر تهديد لأرث «الأب» هو الابن الذي لم يدخر جهدا في تضييق الخناق على «الأب» وحرق كافة أوراقه السياسية. فقط ترك له إمكانية وحيدة تسمح له بجب إخفاقات ابنه التي قد تنسف تجربة 60 سنة من السياسة.
خلال الساعات الـ48 الفارطة شهدت رئاسة الجمهورية حركة متسارعة النسق، والسبب ليس فقط ما نشرته وسائل الإعلام من معطيات تتعلق بموقف الرئاسة من ازمة حركة نداء تونس وما حدث في المؤتمر. معلومات مصدرها هذا الشق او ذاك في نداء تونس، تلتقي عند نقطة وحيدة وهي الباجي قائد السبسي.
فشق المنستير روج خلال الأيام الفارطة إلى انه يحظى بدعم كامل من الرئيس ومباركة منه لما يقع، ودليله القائمة التي ضمت مرشحي الرئيس لنيل موقع قيادي الحركة. اما شق الحمامات فقد اختار ان يدافع عن الرئيس ويندد بإقحامه في «معارك خاسرة» واستعمال اسمه لتبرير انقلاب نجله على ما قرره المؤتمر بشان إبعاده من المواقع القيادية في الحزب.
هذان الخطابان جعلا من رئيس الجمهورية جزءا من أزمة حزبية اندلعت لدى بلوغ أشغال المؤتمر مرحلة توزيع المسؤوليات في المكتب السياسي وصراع على من يمثل الحزب قانونيا. مشاركة فضلت الرئاسة ان تتجنب الرد عليها في الأسبوع الفارط ولكن مع تطور الأحداث لم يجد الرئيس ممثلا في مستشاريه غير الخروج ونفي اي تورط في أزمة الحزب او دعم اي شق على حساب الأخر. بل ان الرئاسة شددت على حياديتها وان مستشارين للرئيس لهم عضوية في اللجنة المركزية للحزب لم يشاركوا في اي من الاجتماعين اللذين عقدا نهاية الاسبوع الفارط. وان القائمة التي قدمت على انها معينة من رئيس الجمهورية في اجتماع المنستير قدمت قبل انطلاق المؤتمر في 6 من افريل الجاري.
هذا الخطاب الرسمي الذي سوقته الرئاسة طوال يوم امس وفيه قدمت جزءا من الحقائق لا كاملها. فالرئاسة لم تعلن ان الرئيس كانت له مخططات عدة تتعلق بالحزب ما بعد المؤتمر، وهذه المخططات ترتكز على ان ينجح في المؤتمر ويمنح الحزب انطلاقة جديدة، كان نجله جزءا منها.
لكن تطورات المؤتمر وما حملته من أحداث غيرت من تموقع الرئيس، فهو والى غاية الاثنين الفارط كان أميل لدعم نجله حافظ قائد السبسي. استنادا إلى معطيات خاطئة قدمت له من قبل الأخير، معطيات سرعان ما اكتشف الأب أنها «كاذبة» وأنها كادت تجره الى مستنقع جديد لن يعصف فقط بمدته الرئاسية بل بكامل تجربته السياسية التي لا يبدو ان الرئيس له استعداد لأن تؤخذ بجريرة ابنه.
غير ان السياقات تغيرت وبات جليا ان الابن لن يكون جزءا من قيادة الحزب، في انتظار الحسم الإداري في الأمر، ولتجنب السوء لم يتبق أمام الرئيس الا خيارات محدودة وهو الدفع بمبادرة سياسية ألمح إليها في أكثر من مناسبة في خطاباته حينما تحدث عن تجميع النداء التاريخي وتوحيده.
مبادرة تلقفها الشق المعارض لابنه وبات يغازله بها، وتبنيها كخارطة طريق لهم انطلقوا فعليا في محاولة تنزيلها على ارض الواقع بمشاورات غير رسمية مع حركة مشروع تونس وتحيا تونس، وهي مشاورة تستند الى التي اطلقها الرئيس نفسه مع محسن مرزوق رئيس مشروع تونس قبل اسبوع.
مشاورات تضمنت حث الرئيس على توحيد النداء التاريخي قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية، بهدف المشاركة فيهما بقائمات موحدة ومرشح رئاسي وحيد، وهذا الاخير سيكون وفق الملامح الاولى للمبادرة يوسف الشاهد رئيس الحكومة.
مبادرة لاتزال غير رسمية والنقاشات بشأنها لاتزال في بدايتها، ولكن يبدو انها ستشهد تسارعا خلال الايام القادمة وستكشف عما يخامر عقل الرئيس وكيف يرغب في تجنب هدم ارثه السياسي.