مجلس نواب الشعب : الفـوضــى ...

ما إن انعقدت جلسة الحوار مع الحكومة بمجلس نواب الشعب يوم أمس حتى علقت أشغالها ثم ألغيت

لمغادرة رئيس الحكومة ووزرائه البرلمان على خلفية «الفوضى» وانتقال الاحتجاج من أمام البرلمان إلى بهوه وفضاء الزوار، أحداث لم تتركها حركتا تحيا تونس والنهضة تمر دون ان تحمل محمد الناصر مسؤولية عدم تأمين انعقاد الجلسة.

مع أول مداخلة ألقاها رئيس كتلة الجبهة الشعبية أحمد صديق في الجلسة العامة للحوار مع الحكومة، كشف ان الجلسة لن تمر بسلام، فالصديق الذي طلب نقطة نظام افتتح 30 دقيقة من المداخلات اللاحقة، كلها تعلقت بمنع موظفين بمجلس نواب الشعب من الدخول للمجلس والتلميح بان المنع صدر عن الحكومة.
حكومة وقبل ان يحل ركبها اتهمت من قبل كتل المعارضة بانها تبحث عن عودة الاستبداد والتسلط وان منع موظفين بمجلس النواب قادمين من مقر عملهم بمجلس المستشارين سابقا من الدخول هدفه عدم رؤية الشاهد للمحتجين على حكومته بسبب عدم الالتزام بالاتفاقات وصرف منحهم.

30 دقيقة لم تمر دون ان تقدم كل كتلة- رغم ان الحاضرين بقاعة الجلسة بالكاد تجاوز الـ30 من اصل 217- موقفها الداعم للموظفين وتدعو للبحث عمن «اصدر اوامر بمنعهم»، قبل ان يقرر عبد الفتاح مورو رفع الجلسة لعدم اكتمال النصاب القانوني.
رفع لم ينه حالة الاحتقان في المجلس، فبهوه الرئيسي شهد انتقال الاحتجاجات من امام مقره الى داخله، حيث احتج الموظفون بالمجلس ولاحقا احتج صحافيو دار الصباح واذاعة الزيتونة، قبل ان يختتم اليوم باحتجاج اساتذة جامعيين باحثين منتسبين لنقابة «اجابة».
واحتجاج الاساتذة انتقل من البهو الى الشرفة المخصصة للزوار والصحفيين لمتابعة اشغال الجلسة العامة، التي استؤنفت بكلمة رئيس مجلس النواب محمد الناصر اعتذر فيها عن تاخير انعقاد الجلسة واشار الى ان ازمة المنحة الخاصة بالموظفين ستحل، قبل ان يحيل الكلمة لرئيس الحكومة.
كلمة ما ان منحت حتى قطعت بهتافات الاساتذة الجامعيين من الشرفة وهم يتوجهون لرئيس الحكومة بشعارات وهي «يا شاهد فيق فيق.. وضع الجامعة لا يليق» و«جامعتنا عمومية هي حق موش مزية»، وقد استمروا في رفعها رغم دعواتهم الى احترام المجلس وترك المجال لرئيس الحكومة ليلقي كلمته.
لتنطلق محاولة احتواء الأمر بدعوة الى مغادرة الأساتذة الذين واصلوا رفع شعاراتهم لدقيقتين قبل ان يقرر رئيس المجلس رفع الجلسة لعشر دقائق ثم العودة، هنا حمل الشاهد فريقه الحكومي وغادر القاعة في اتجاه مكتب رئيس المجلس قبل ان يغادر المجلس برمته اثر تعذر ضبط النظام فيه واستمرار الاحتجاجات وهذه المرة توزعت بين ثناياه وتعددت مضامينها.

انتظار الحكومة لم يطل كثيرا فقد اكتفت بانتظار ساعات الصباح، ليغادر كامل الوفد ويعلن رئيسها في تصريحات صحفية مقتضبة بان حكومته امتثلت لدعوة مجلس نواب الشعب لحضور جلسة حوار حول الصحة العمومية، ولكنها لا تستطيع البقاء في ظل حالة الفوضى الكاملة في البرلمان التي تجعل من انعقاد الجلسة غير ممكن.
اذ شدد الشاهد على أن «قلة نظام وفوضى عارمة وضعت المجلس في حالة انتظار منذ التاسعة صباحا»، وحكومته لا علاقة لها بهذه الفوضى لتتحمل مسؤوليتها بل رئيس المجلس باعتباره مسؤولا عن الأمور التنظيمية والترتيبية لضمان ظروف جيدة لانعقاد الجلسة. وهنا أعلن ان الحكومة لا يمكنها الانتظار الى حين انتهاء الفوضى.
لكن مغادرة الشاهد ووفد الحكومة للبرلمان لم ينهيا اليوم وأحداثه، فمكتب المجلس انعقد بدعوة عاجلة للنظر في ما حدث، والاجتماع انتهى لتتفرق الكتل ويقدم كل منها موقفه، اما في بيان صحفي او ندوة، على غرار الندوة المشتركة بين كتلة الائتلاف الوطني وحركة مشروع تونس، الداعمتين للحكومة.
ندوة حملت فيها الكتلتان مسؤولية ما يحدث لرئيس المجلس محمد الناصر وطالبتا بمساءلته، في ما حدث وفق مصطفى بن أحمد رئيس كتلة الائتلاف الوطني «منزلق خطير وخطير جدا على الديمقراطية» كما ان رئيس الحكومة ووزراءه بقوا لساعات محتجزين وكأنهم رهائن، وفق قوله.

احداث يرى انها تستوجب فتح تحقيق لمعرفة من تسبب فيها، خاصة وان كتلته لمست منذ اسبوع «عملية شحن وتوتير اجواء من أطراف استغلت وجودها في مؤسسات ديمقراطية للمشاركة في تهديدات منها غلق المجلس في وجه الشاهد» وان ما حدث مدبر وكتلته تدرك ذلك. ذات الادانة تتكرر في كلمة رئيس كتلة الحرة لحركة مشروع تونس، حسونة الناصفي مع الاشارة الى ان البرلمان يتجه لعقد جلسة حوار مغلق مع الحكومة.

والامر لم يتوقف عند هذا الحد ففي مساء امس اصدرت كل من حركة النهضة وحركة تحيا تونس بيانين منفصلين، كل واحد فيهما حمل صراحة مسؤولية ماحدث لرئيس المجلس وضرورة اتخاذ تدابير واجراءات لضمان حسن سير الجلسات العامة. ومنع انتهاك حرمة العمل النيابي وتعطيله مهما كانت طبيعة مطالب من يقوم بذلك. غير بعيد عن هذا المعنى ولكن بعبارات اشد حدة كان بيان حركة تحيا تونس، الذي اعتبر الناصر عمل على اقحام رئيس الحكومة في ملف لا علاقة له به والقصد ملف التصرف الإداري والمالي لمجلس نواب الشعب.
لم يغب صوت نقابة اجابة التي بررت تصرف منظوريها بانه إيصال لصوتهم لرئيس الحكومة طالما ان الأخير لم يستقبلهم في قصر الحكومة، وان مغادرة الشاهد للمجلس ليست بسبب هتافاتهم اذ هو استغلها ليغادر المجلس الذي اتى اليه مرغما.
في خضم كل هذا الجدل وتحميل المسؤولية، غاب الحديث عن كيفية الموازنة بين حق التونسيين في الاحتجاج واحترام مؤسسات الدولة حتى وان كان لبعضهم وجهة نظر خاصة به تجاهها، فنقل الاحتجاج من خارج المجلس الى داخله والاستناد اما للصفة الوظيفية او القدرة على ولوجه يثير قضية هل من الطبيعي الاحتجاج داخل المجلس من عدمه؟ بل ايضا اين يحتج من ليست له صفة لدخول المجلس او ليست له علاقات وثيقة بنوابه؟.

فالقول بان الاحتجاج في اروقة المجلس امر مقبول والدفاع عن ذلك يستوجب الاجابة بالقول بحق بقية التونسيين في الاحتجاج صلبه ايضا. وان اقررنا بهذا فإننا نلج زمن العبث بشكل رسمي ونهدم ما تبقى من مصداقية لمؤسسات الدولة قبل اشهر من الانتخابات التي يغيب عن زعماء القبائل الباحثين عن تسجيل نقاط ضد الخصم انهم يوفرون كل الظروف الموضوعية لغرق الجميع.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115