في محاولة لاحتواء الاحتجاجات قبل ان ينفلت الأمر من يديها، لكنها وهي تبرر قرارها على لسان رئيسها يوسف الشاهد ووزير الصناعة كشفت ان القرار لم يكن الا محاولة لتقديمها في صورة الماضي في تطبيق الإصلاحات وهي صورة تأمل أن تجنبها القطيعة مع صندوق النقد الدولي
يوم السبت الفارط أصدرت وزارة الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة بلاغا اعلنت من خلاله عن الترفيع في أسعار المحروقات وعللت هذا القرار في بلاغها بـ«أنّه في ظل الإرتفاع المتواصل لأسعار النفط ومشتقاته العالميّة، حيث تجاوز سعر النفط الخام خلال الفترة الأخيرة من هذه السنة عتبة 68 دولارا للبرميل، واستنادا إلى آليّة التعديل الدوري لأسعار المحروقات، تقرّر إدخال تعديل جزئي على أسعار البيع للعموم لبعض المواد البتروليّة».
قرار جوبه بالتنديد والرفض منذ بداية الاسبوع الجاري من قبل عدد من الاحزاب قبل ان يلتحق جزء من الشارع التونسي بفريق المعارضين للقرار لتشهد عدة مناطق احتجاجات وقطع الطرقات للتعبير عن رفض الزيادة الجديدة في الاسعار.احتجاجات انتقلت الى صفوف المنظمات لتلتحق غرفة اصحاب سيارة الاجرة بالرافضين مع التلويح بالتصعيد ان لم تتراجع الحكومة.
تطورات دفعت الحكومة الى الخروج عن الصمت وتبرير قرارها، فالبلاغ وما تضمنه من حجج لم يصمد امام وقائع ضمنت في قانون مالية 2019 الذي يتضمن فرضية تتعلق بسعر برميل النفط حيث قدر في الميزانية بـ75 دولار، اي ان ارتفاع سعره خلال الأيام الفارطة وبلوغه عتبة 68 دولار لا يمثل سببا لاعتماد الية التعديل والترفيع في اسعار المحروقات.
فرضية سعر النفط ليست هي فقط التي هدمت حجة الحكومة بل خطابها السابق، حيث سوقت الحكومة انها ولاول مرة في تاريخ تونس اعتمدت على الية العقود الاجلة وانها اشترت حاجياتها من النفط لـ6 اشهر بسعر 65 دولارا للبرميل.
سقوط حجج الحكومة المعلن عنها في بلاغها لم يحل دون ان تبحث عن جديدة، وهذه المرة اعلن عنها على لسان رئيسها يوسف الشاهد الذي قال في تعليقه على الاحتجاجات التي رافقت قرار الترفيع في أسعار المحروقات إن «الحكومة لم تتخذ هذا القرار عن طيب خاطر… وإنّما اضطررنا لذلك».
والاضطرار يشرحه رئيس الحكومة بانه «تعديل الأسعار إجراء منصوص عليه في قانون المالية… وهذا التعديل لا يعتمد فقط على قانون سعر برميل النفط بل يشمل أيضا سعر الصرف». اي ان سبب الترفيع يتعلق بسعر صرف الدينار التونسي مقابل الدولار.
هنا لم تكلف الحكومة نفسها عناء البحث عن حجج تشرح بها فعليا سبب اصدار قرار الترفيع في اسعار المحروقات وما يترتب عن هذا الترفيع من تداعيات على الاقتصاد التونسي، فالاستناد الى حجة سعر الصرف بدورها تصدم بواقع مغاير وهي ان الحكومة وفي قانون ماليتها المصادق عليه في ديسمبر 2018 وضعت فرضية تشمل انزلاق الدينار مقابل سلة من العملات وهي بالاساس الدولار والاورو.
اي انها وضعت تقديرات عن نسبة الانزلاق المفترضة ووفقها قامت برسم موازنتها، وخروجها اليوم للاعلان عن انها تبحث عن تعديل الأسعار لتتلاءم مع سعر الصرف ليس سوى محاولات لتجنب قول الحقيقة.تجنب يتكرر في كلمة وزير الصناعة سليم الفرياني الذي اشار الى أن قانون المالية لسنة 2019 ينص على 4 زيادات في أسعار المحروقات وان آخر زيادة كانت في شهر سبتمبر 2018 وأن الحكومة حاولت أكثر ما يمكن تأخير الترفيع في أسعار المحروقات خاصة أنه كان هناك إمكانية للترفيع في شهر نوفمبر أو ديسمبر الماضي، مشيرا بدوره الى أن الموضوع يتعلق بسعر برميل النفط على المستوى العالمي وسعر الصرف كذلك، مبينا أن دعم الطاقة تسبب في 50 %من عجز ميزانية 2018.
هذه التصريحات يراد بها تبرير خيار اتخذته الحكومة للتغطية عن عدم قدرتها على الايفاء بتعهداتها مع صندوق النقد الدولي في ما يتعلق بالضغط على كتلة الاجور والتخفيض فيها اثر امضائها لاتفاق الزيادة في الاجور مع اتحاد الشغل في جانفي الفارط.
التزام اخلت به الحكومة وكلفها حوالي 700 مليون دينار لم تكن مبرمجة في ميزانية 2019، وليس هذا فقط بل اضر بصورتها مع صندوق النقد الدولي الذي بحثت عن استمالته باتخاذ جملة من القرارات الموصى بها، كالترفيع في نسبة الفائدة المديرية وسعر المحروقات.
قرارات الهدف منها تسويقي بالاساس فالحكومة تدرك ان قراراتها الأخيرة لا توفر عائدات مالية ذات اهمية بقدر ما توفر صورة تبرزها كملتزمة باتفاقات الدولة التونسية مع الصندوق وتنفيذ الاصلاحات الكبرى.