حركة النهضة ورئيس الجمهورية : «لا نحبك.. ولا نصبر عليك..»

24 ساعة بعد خطاب رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بمناسبة عيد الاستقلال اصدرت حركة النهضة بيانا

لمكتبها التنفيذي تجيب عما تضمنه الخطاب من رسائل موجهة إليها وقد خيرت ان تلاعب الرئيس وتوجه اليه رسالة مفادها انها تلتقي معه على اهمية الوحدة الوطنية لكن ليس بالصياغة والمهام التي يراها الرئيس وإنما بصياغة اخرى ومهام تتعلق أساسا بانجاز الانتخابات في موعدها.

لاتزال حركة النهضة تحافظ على وصفتها التقليدية في التعاطي مع كل ما يصدر عن رئيس الجمهورية فهي تتلقى كلماته وضرباته وتستوعبها لتقليل ضررها قبل ان تعيد توجيهها الى وجهة ترى انها تخدم تصوراتها دون ان تورط نفسها في صراع مباشر وصريح معه، اي انها ترى ان احتواءه افضل سبل الخروج امانا لها.

اخر هذه الصدامات التي عملت النهضة على احتوائها هي التي اعلن عنها في خطاب عيد الاستقلال يوم الاربعاء الفارط، الذي تضمن هجوما على حركة النهضة والحكومة واعتبارهما توافقا لتجريد الرئيس من صلاحياته وقادا البلاد الى وضع كارثي لا سبيل للخروج منه إلا بعودتهما الى الوحدة الوطنية التي خرقاها.

هجوم اراد منه الرئيس ان يضع يوسف الشاهد والنهضة في خانة المذنبين الواجب توبتهما وهذا القصد قال الرئيس ان المعنيين به قد أدركاه ويبدو انه لم يجانب الصواب ان تعلق بحركة النهضة التي اجابت دعوته «للتوبةّ» بشيء من المناكفة.

فالحركة وفي بيان مكتبها التنفيذي الصادر امس، اعلنت في النقطة الاولى منه انها تثمن خطاب رئيس الجمهوريّة وما تضمنه من تأكيد على خيار الوحدة الوطنيّة، بل انها ترغب وتأمل ان تتفاعل الساحة السياسية وان تتجاوب مع هذه الدعوة إلى الحكمة والرشد وجمع الشمل.

هذا نصف الرد اما النصف الثاني وهو الذي تجيب فيه النهضة صراحة عن خطاب الباجي فيتضمن توجيها لمهام هذه الوحدة الوطنية. وهي مهمة واحدة وأكيدة تتمثل في «...توفير المناخات المساعدة لتطور الساحة السياسيّة نحو المزيد من النضج والمسؤولية ويضع البلاد على سكة الانتخابات التشريعية والرئاسية، وأن تكون أوضاع البلاد ومشاغل المواطن واهتماماته اولويّة الجميع».

فالنهضة في خطابها الرسمي، على غرار تصريحات النائب اسامة الصغير لـ«المغرب»، تحرص على ان تبرز اهمية الوحدة الوطنية التي دعا اليها الرئيس وبادر بها قبل ثلاث سنوات، وتبين كيف ان هذا المسار وفشله لايزالان مبعث «تحسّر» الرئيس الذي وان ذكر عددا من الاحزاب وقال انها غادرت الوحدة الوطنية دون ان توضح اسبابها فانه «لم يذكر حركة نداء تونس ودورها في الأزمة».

الصغير وهو يشرح بيان حزبه ومحاوره الأهم اكد ان النهضة تعتبر انه من المفروض وجود تطور في الاحزاب السياسية خلال السنوات التي مرت بشكل عام، يجعلها قادرة على تحقيق نقطتين اساسيتين وهي الاهتمام بمشاغل المواطنين ووضعها في اولوياتها عوضا عن جعل الصراع مع النهضة والتناقض معها هو شاغلها وأولويتها. وثانيا تطور يجعلها حريصة على الوصول للانتخابات في مناخ سليم.

هنا يعلن الصغير ان النهضة وفي النقطة الاولى من بيانها بينت ضرورة ان توجد وحدة وطنية حول هاتين النقطتين، اولوية مشاغل المواطنين وإيجاد حلول لها، وتنقية المناخات للوصول الى الانتخابات في جو عام سليم.

بيان جاء ليكشف ان حركة النهضة تعتبر ان الوحدة الوطنية ان وجبت فمن اجل الذهاب للانتخابات في موعدها في ظل خشية الحركة من ان لا تكون الانتخابات من اولويات بعض الفاعلين السياسيين الذين لا ترغب في ذكرهم اضافة الى خشيتها من ان تؤثر الازمة السياسية الراهنة سلبا على الانتخابات. او ان تصبح الأخيرة محل «استهداف».

النهضة وعلى لسان القيادي بها اسامة الصغير تشدد على ان التوافق والوحدة الوطنية هما «سياسة عليا» اي انهما غير قابلتين للتراجع عنهما، لكن فهم النهضة للتوافق والوحدة الوطنية ليس هو ذاته لدى الاخرين. ومنهم رئيس الدولة الذي قال الصغير انه هو من اوقف مسار الوحدة الوطنية وليس حركته التي لها استعداد للعمل على عودة المسار.

هنا يختلف مسار حركة النهضة عن مسار الرئاسة، فالنهضة تعتبر ان الوحدة الوطنية ان حققت فيجب ان تتناغم مع المرحلة التي تحمل عنوان الانتخابات، اذ ان كل مرحلة ولها اهدافها وفق الصغير، وأهداف هذه المرحلة والوحدة الوطنية ان حققت فيها هي الوصول الى الانتخابات التشريعية والرئاسية.

اذ شدد اسامة الصغير على ان الاحزاب والفاعلين السياسيين ان كان هناك نقطة يجب ان يناقشوها في اطار وحدة وطنية فهي «كيف نصل الى الانتخابات في افضل ظروف»، وللحركة تصور لتحقيق هذه الظروف وهي ان تواصل الحكومة عملها وتتولى دورها في تحسين حياة المواطنين.اما المجلس فعليه ان يستكمل مهمته في اختيار الاعضاء الثلاثة لعضوية المحكمة الدستورية وان يصادق على مشاريع القوانين المستعجلة.

هنا تكشف النهضة عن ان موقفها المثمن لخطاب الرئيس لم يكن سوى عملية احتواء لهجومه ومحاولة لتغيير مساره، فالحركة تدرك ان الرئيس وان حرص على الوحدة الوطنية فانه يعنى ان مبادرته التي اتهم صراحة وتضمينا النهضة بانها خرقتها وتسببت في فشلها، وان الحل الوحيد لصالح البلاد يكمن في عودة النهضة الى مبادرته وأرضيتها لا شيء آخر.
ارضية تريد النهضة ان تعدلها وتجعلها تعالج مخاوفها من ان تتطور اطوار الحرب الباردة بينها وبين رئيس الجمهورية ونداء تونس وأحزاب اخرى وتنتقل الى مربع «ضرب الانتخابات» مربع تعتبر النهضة ان بلوغه يعني استهدافها.

لهذا فهي تريد ان تستبق الاحداث وان تضمن احتواء الرئاسة قدر الامكان بتنازلات قد تقدم في مسالة المساواة في الميراث وفي «خطة خروج آمنة لنجل الرئيس» وبعض النقاط الاخرى مقابل عدم المساس بالانتخابات. فالنهضة تخشى ان يلعب الرئيس ورقة «دعوة الناخبين» بعدم توجيه دعوته وإعلانه عن هذا خلال الاسبوع الاول من سبتمبر القادم. والتحجج بغياب المحكمة الدستورية او أي نقطة اخرى.

في انتظار ان تكشف الايام القادمة عن حزمة التنازلات التي ستقدمها الحركة لرئيس الجمهورية لتهدئة روعه وبيان حسن نوايها، يبدو ان العلاقة بين الطرفين لن تغادر مربع «الترهيب والترغيب» فكل طرف منهما له اوراق لعب تسمح له باغراء الاخر وبعث الخشية في نفسه.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115