رضع بمستشفى وسيلة بورقيبة وغفلوا عن عودة المواجهة المفتوحة والمباشرة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وقد وجه كل منهما إلى خصمه ضربات.
يوم أمس أعاد رئيس الجمهورية التذكير بما قاله قبل 24 ساعة في اجتماع مجلس الامن القومي،بعد إدراكه ان رسائله لم تلق التركيز التام في ظل الأحداث الراهنة بالبلاد، التي حالت دون ان يصبح الصراع المفتوح بينه وبين رئيس الحكومة «الحدث الابرز» او كما يريد الرئيس ان يسوق التزامه بكشف الحقيقة في ملف الجهاز السري والمدرسة القرآنية بالرقاب مقابل صمت الحكومة وبحثها عن التغطية على الملفات.
تسويق اعاد الرئيس إحياءه امس لدى استقباله مجموعة من النواب الـ43 (انظر مقال دنيا حفصة) حيث يشدد لهم في كلمته ان مداخلته في مجلس الامن القومي جعلت «القيامة قايمة» وان البعض أقلقه الحديث الذي شمل ايضا الجهاز السري وهو ينصحه بـ«الصبر».
الرئيس وهو يخاطب مستمعيه يوم امس كان كمن يريد ان يذكر التونسيين عبرهم بما قاله قبل يوم، بشأن الجهاز السري الذي يعتبر ان عدم اخذ موقف منه في مجلس الامن القومي امر غير مقبول، خاصة وان الملف يمس من الامن القومي وبات الجميع يتحدث عنه في وسائل الاعلام مستندا لوثائق ومستندات.
ما لم يقله الرئيس في مجلس الامن القومي بشكل صريح هو انه لا يرغب في ان تتم معالجة ملف الجهاز السري وجعلها قضية جدلية كل طرف فيها يتقدم بوثائقه، على غرار محامي مصطفى خضر الذي قدم وثائق تستند اليها هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي. ليبن ان الهيئة قامت اما بتحريف الحقائق او بالاستناد الى وثيقة غير ذات مصداقية لبناء قضيتها.
هنا المح الرئيس الى من يهمه الامر في الحكومة، الى ان معركة الوثائق لا يجب ان تستمر ولا يجب ان تنحرف بالقضية عن المسار الذي يرغب فيه الرئيس، وهذه احدى المعارك بين الباجي قائد السبسي ويوسف الشاهد.
معارك باتت كما في مباريات الملاكمة بين متنافسين متقاربين «لكمة بلكمة»، اذ تعتبر رئاسة الجمهورية ان الحكومة وجهت اليها لكمة في ملف الجهاز السري، وذلك بسبب تأجيل عقد المجلس بثلاثة ايام، تم فيها كشف معطيات جديدة من قبل محامي خضر. فقد خيرت ان توجه لكمة بجعل الملف مسالة حيوية ويجب اخذ موقف منها في مجلس الأمن المنعقد يوم الاثنين، وتسجيل نقطة اضافية باعادة فتح ملف مدرسة الرقاب.
حيث استعمل رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي مصطلح «محتشد» ليبين خطورة الوضع في مدرسة الرقاب وكيف كانت معالجة الحكومة له توحي للرأي العام بأنها «تريد التغطية عليه» وهو يدرك انه لامصلحة لها لتفعل ذلك.
هذه النقطة التي اثارتها الرئاسة وهي مدركة ان مجال التحرك امام رئيس الحكومة يوسف الشاهد ضيق لا يسمح له في مجاراتها او عكس الهجوم، كما فعل الشاهد منذ بداية اللقاء او حتى قبله، فالشاهد لم يفته ان يقاطع الرئيس وهو يتحدث عن سبب تاجيل الاجتماع من يوم الجمعة الى الاثنين الفارط ليعلمه ان الرئاسة اعلمته «ليلة عقد اللقاء والمفروض ان يتم الاعلان قبل اسبوعين او ثلاثة».
مقاطعة حملت معها بوادر تحدي صريح وبحث عن وضع الامور في نصابها، فالعلاقة بين مؤسستين تنفيذيتين وليست بين «معلم وتلميذه»، لكنها لم تكن التحدي المباشر الوحيد، فالحكومة ومن قصر الضيافة بقرطاج، التابع لرئاسة الجمهورية عقدت ندوتها الصحفية لتكشف تطورات ملف الرضع.
ندوة عقدت قبل ساعات قليلة من انعقاد اجتماع مجلس الامن القومي الذي وضع في جدول اعماله هذا الملف، الذي قدمت وزيرة الصحة بالنيابة كافة تفاصيله في الندوة وهو ما جعل الرئيس يشير الى الامر ويعتبر ان المعطيات كان يجب ان تقدم للمجلس اولا.
عتاب يدرك الرئيس انه لا يغير من حقيقة النقاط المسجلة في الصراع بينه وبين الشاهد، كإدراكه أن الحكومة وبالندوة الصحفية وجهت له «ضربة» حرصت من خلالها على ان يعلم الرئيس والجميع انها صاحبة القرار وهي تتحرك دون تعليمات القصر، والاهم من هذا انها تعالج الملفات دون السماح للرئاسة بان تتدخل او تبرز في ثوب الموجه.
حرص رئاسة الحكومة على ان تستبق الرئاسة في معالجة ملف الرضع مرده ألاّ يتكرر تدخل الرئاسة في صلاحياتها كما تم في ملف المفاوضات الاجتماعية، فرئاسة الحكومة تعتبر ان رئاسة الجمهورية تبحث عن تصيد الكوارث لتسجل بها نقاطا ضدها، ولهذا فهي احرص منها على التحرك لمجابهة هذا الكوارث دون انتظار الرئاسة.تحرك يشمل ايضا قرار التعيين الذي اصدره الشاهد وبمقتضاه كلفت سنية بالشيخ بوزارة الصحة بالنيابة، حيث ان القرار تضمن اشارة لم تكن ترد في سابقيه، وهي التكليف بفتح الملفات.
خطوات استباقية بحث من خلالها رئيس الحكومة يوسف الشاهد على غلق الطريق امام رئاسة الجمهورية وحرق اوراق اللعب القوية لديها، فالحكومة تجاوزت الرئاسة في ملف الرضع واتخذت الاجراءات والقرارات بسرعة لمنع الرئاسة من التدخل واستعمال ذلك لتوجيه ضربة جديدة لها تبرزها فيها على انها مسؤولة عن تدهور الأوضاع.
مسؤولية سبق وان حملها الباجي قائد السبسي الى الحكومة في أكثر من مناسبة بل انه اتهمها بشكل صريح بأنها سبب في انتقال الأوضاع من سيء إلى أسوء، وان المؤشرات المسجلة تبين عجزها عن تسيير البلاد.
عجز لم يفت الرئيس ان يبرزه وان في ملفات اخرى على غرار ملف قانون الطوارئ وملف مدرسة الرقاب، في إطار إستراتيجية مواجهة وضعتها الرئاسة وتحصر ساحة المعركة بينها وبين الحكومة في أمرين، سوء الحكم والعلاقة غير السوية مع النهضة التي تبرز هنا في ملف الجهاز السري الذي ربطته الرئاسة في اجتماع مجلس الامن السابق 29 نوفمبر الفارط، بحركة النهضة.
فالرئاسة تريد ان تستغل وجود الشاهد وحزبه تحيا تونس في الحكم مع حركة النهضة لتبرز كيف ان الحكومة متواطئة مع النهضة في التغطية على ملفات حساسة وخطرة وان هذا مؤشر على ان الشاهد وحزبه قد يذهبون ابعد اثر الانتخابات القادمة، وان امل منع ذلك هي رئاسة الجمهورية.
امل لا يعلم فيما بالضبط، هل في ترشح الرئيس لعهدة ثانية ام في حزبه نداء تونس، لكن ماهو معلوم ان رئاسة الجمهورية لن تتوانى في الاسابيع القادمة عن توجيه ضربات مباشرة للحكومة ورئيسها في اطار المواجهة المفتوحة بينهما والتي باتت كما يقول المثل التونسي «قلبة بقلبة»