عما توصلت اليه الوزارة من حقائق أولية تكشف ان سبب الوفيات هو «تعفن استشفائي» سيتحمل مسؤوليته المباشرة من كان مكلفا بإعداد المستحضر الغذائي للرضع، لكن ما لم يقل بشكل واضح هو ان السبب الثاني لموت الرضع غياب الحوكمة في كامل المنظومة الصحية.
يوم امس عقدت وزارة الصحة ندوة صحفية بهدف كشف المعطيات الاولية المتوفرة لديها عن اسباب وفاة الرضع يومي 7 و8 مارس الجاري بمستشفى وسيلة بورقيبة. بحضور الوزيرة بالنيابة سنية بالشيخ وأعضاء من لجنة التحقيق التي أحدثتها الوزارة يوم السبت الفارط.
بعيدا عن الخطاب الذي ألقته بالشيخ والذي لم تغب عنه انحرافات عن موضوع الحال من التنويه برئيس الحكومة وابراز حرصه على متابعة الملف في اكثر من مناسبة، قالت بالشيخ بشكل واضح ان السبب في وفاة 12 رضيعا، 11 يومي 7و8 والأخير يوم الأحد الفارط- هو تعرضهم إلى «تعفن استشفائي».
تعفن قالت الوزيرة بالنيابة ان المؤشرات الاولية قادتهم الى انه نقل الى الرضع من خلال المستحضرات الغذائية التي تقدم لهم، وان هذه المستحضرات قد تكون حملت التعفن يقع تجهيزها في «غرفة بيضاء» بمركز طب الرضيع بالمستشفى.
هنا مرت الوزيرة لتشرح ما معنى الغرفة البيضاء وما تقصده بالمستحضرات الغذائية، لتطنب في الحديث عنهما وتكرره كثيرا، فالغرفة البيضاء وفق ما عرفته هي مكان مخصص لاعداد المستحضر الغذائي الذي يقع تجهيزه بالاعتماد على ادوية ومكملات غذائية يقع خلطها معا قبل ان توضع في اوعية مخصصة لها.
ادوية ومكملات اشارت الى ان المركز تسلمها من الصيدلية المركزية، على غرار بقية المراكز التي تجرى فيها ذات العملية في غرف بيضاء هي الأخرى والتي شددت الوزيرة بالنيابة على انها اماكن مغلقة ومعقمة مخصصة فقط لتجهيز المستحضر.
ندوة دامت لاكثر من 45 دقيقة ولم تقدم فيها الوزيرة شرحا لكيفية انتقال التعفن الاستشفائي للرضع، فقط قدمت جردا للمعلومات الأولية التي وقع التوصل اليها وبحثت عن إبراز «مصداقية» لجنة التحقيق وهدفها، فاللجنة لن تكون صورية والنتائج النهائية التي سيقع الوصول اليها ستعتمد لمحاسبة كل المسؤولين، فمن «اخطأ سيحاسب» وفق قولها دون التسرع في تحميل احد المسؤولية لضمان استمرارية عمل المركز وتقديم الرعاية لعشرات الرضع فيه.
وفي انتظار هذا لا ضر في تقديم معطيات عامة عن نسب وفاة الرضع الذين ولدوا قبل انتهاء الاشهر التسعة، اي ان فترة الحمل بهم تتراوح بين 28 و32 أسبوع والتي قالت انها تصل الى 40 % من عدد المواليد الذين لم يكتمل نموهم بعد، وهذه النسبة لا تقتصر على تونس وانما نسبة عالمية سبب ارتفاعها خصوصية الرضع.
خصوصية قالت انها لا تبرر ارتفاع عدد المتوفين بسبب «infection nosocomiale» التعفن الاستشفائي حتى وان كان هذا النوع من التعفنات يوجد في كل المستشفيات في العالم، وفق قولها الذي ترافق بالقول «لكن ذلك ليس مقبولا... فهناك حد» كان يقتضي التدخل لوقف الوفيات، وهذا تم منذ يوم السبت الفارط حينما اقرت جملة من الاجراءات ومنها غلق الغرفة البيضاء والقسم ونقل المقيمين به الى مكان اخر واعتماد غرفة بيضاء جديدة وتغيير مخزون المستحضرات الغذائية بآخر وقع اعداده بادوية ومكملات غذائية جلبت من الصيدلية المركزية.
ولم تقف الاجراءات عند هذا الحد فقد وقع اخذ عينات لتحليل كامل القسم، هواء وماء ومستحضرات وعينات من الطاقم الطبي والشبه الطبي وكل من له علاقة بالقسم، اضافة لاخذ عينات عن كل ما هو موجود سواء ثابت او متنقل في القسم. هذه العينات أرسلت الى ثلاثة مختبرات لتحليلها لمعرفة مصدر التعفنات ونوعيتها، وما سيتوفر لاحقا من نتائج سيقع الاعلان عنها للرأي العام.
خلال كامل الندوة لم تشر الوزيرة بالنيابة الى أي معطى لم يكن متوفرا خلال الساعات الفارطة، هي فقط قامت بذكر ما هو معلوم واضفاء طابع رسمي عليه او نفي اخبار زائفة وقع تداولها تتعلق بالوزارة وميزانيتها وغيره من النقاط التي ارتأت بالشيخ ان شرحها ضروري.
شرح لتفاصيل أثقل الندوة التي تضمنت اقرارا صريحا من سنية بالشيخ بأنّ المنظومة الصحية تعاني من عدة اشكاليات ابرزها «غياب الحوكمة» وهذا القصور سيقع تفاديه في الاسابيع القادمة وفق تعهد الوزيرة بالنيابة التي لم تشرح علاقة غياب الحوكمة بوفاة الرضع.
فما لم تقله الوزيرة او ترغب في الخوض فيه بشكل مباشر هو «المسؤولية الفردية» للعاملين بقسم طب الرضيع، وخاصة الكادر المسؤول عن تجهيز المستحضر الغذائي، فما ابرزته الوزيرة استنادا للمعطيات الاولية من التحقيقات يفيد بان المستحضر الغذائي هو من نقل التعفن للرضع.
وهذا المستحضر يقع تجهيزه وفق دليل اجراءات في غرفة بيضاء، هي الاخرى لها دليل اجراءات يتعلق بتعقيمها وتهيئتها، اجراءات يبدو جليا انها لم تحترم من قبل الطاقم او الشخص المكلف باتباعها وهذا نجم عنه اصابة هذه المستحضر الغذائي بتعفن لم يحدد بعد ان كان انتقل من «فرد» او من «المحيط» وهنا القصد ان التعفن بلغ الغرفة البيضاء ومنها انتقل الى المواد المعدة.
في كل الحالات المسؤولية المباشرة الموجبة للعقاب تقع على «فرد» او مجموعة افراد، مكلفين وفق المناشير الصادرة عن الوزارة وتتعلق بحفظ الصحة والنظافة او التعقيم بالمستشفيات، من بينها منشور عدد 44 لسنة 2005 وايضا المنشور عدد 8 المتعلق بتنظيم خدمات التعقيم والاهم عدم احترام دليل الإجراءات المتبع في تعقيم الفضاءات والمعدات والاجهزة للوقاية من التعفنات الاستشفائية.
دليل اجراءات وقع التذكير به في اكثر من منشور صادر عن الوزارة منذ 1997 وخصص فقط لموضوع «التعفنات الاستشفائية» ولكن يبدو ان «السهو» او «التساهل» في إتباعه ادى الى الكارثة التي ساهم فيها غياب الحوكمة .