الانتخابات التشريعية والرئاسية: استعدادات .. رهانات .. ومطبات...

منذ يومين أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن الروزنامة الرسمية للاستحقاق التشريعي والرئاسي، وبهذا تكون كمن

أطلق صفارة بدء الاستعدادات بالنسبة للطامحين لخوض المنافسة خاصة في التشريعية التي يبدو أنها ستكون محتدمة هذه السنة بين أحزاب وجبهات انتخابية ومبادرات مواطنية.

حددت هيئة الانتخابات آجال تقديم الترشحات في الانتخابات التشريعية بين 22 و29 من جويلية القادم، موعد لا يفصل عنه غير بضعة أسابيع لا تتجاوز 12 أسبوعا وهذه مدة قد لا تكون كافية للأحزاب والجبهات الانتخابية لتعد نفسها كليا، وهذا يعنى انها ولجت منذ اعلان الهيئة عن الروزنامة في مرحلة الاستعداد وتسابق الزمن لحسم كل مسائلها لتجنب ما وقع في الانتخابات البلدية الفارطة.

ففي 6 ماي الفارط لم تتمكن من الترشح في كل الداوئر البلدية الـ350 غير حركة النهضة فيما ترشحت حركة نداء تونس في 345 وثالثا حلت الجبهة الشعبية التي تقدمت في ثلث الدوائر تقريبا، اما البقية فلم يتمكنوا من الترشح بقائماتهم الخاصة سوى في خمس الدوائر او اقل.

لكن الوضع اليوم،على الاوراق، مختلف بدرجة كبيرة نظرا لان قواعد اللعبة مختلفة كما ان عدد المرشحين المطلوب لضمان التقدم في كل الدوائر الـ33 هو 217 وليس 7220 كما في الانتخابات البلدية. اضافة الى ان شروط الترشح وشروط اعتماد القائمات الحزبية او الائتلافية مختلفة بدورها.

اختلاف في عدد الدوائر والمترشحين وفي القواعد المنظمة للعبة يساعد جملة من الاحزاب والائتلافات الانتخابية والمستقلين والمبادرات المواطنية على الترشح في كل الدوائر الانتخابية، الدوائر الـ27 بالداخل ودوائر الخارج الـ6، اذ لن تجد احزاب كحركة النهضة، ونداء تونس، وافاق تونس والدستوري الحر والتيار الديمقراطي او حركة الشعب وبني وطني صعوبات في توفير 217 مترشحا عن الدوائر الـ33.

خاصة وان كانت الشروط ميسرة، فلا يشترط في المترشح ان يكون مسجلا في الدائرة الانتخابية، كما لا يشترط ان يكون قد سوى وضعيته الجبائية او بقية الشروط المعتمدة في البلدية، والاهم من هذا كله بالنسبة للاحزاب والائتلافات الانتخابية لن يقع اعتماد التناصف الافقي الذي يفرض عليها التناصف في رئاسة القائمات او يقع اسقاط عدد منها.

وهذا معناه أن الظروف الموضوعية متوفرة للأحزاب «الجادة» لتنافس في الدوائر الـ33 مع قائمات مستقلة أو ائتلافية وجبهوية، ولكن توفر الظروف لا يقابله دائما إقدام الأحزاب على استغلالها، ففي انتخابات 2014 لم يتقدم عن كل الدوائر الـ33 إلا 6 أحزاب، أما البقية فقد تنوعت مشاركتهم من المشاركة بقائمة الى المشاركة بـ31 قائمة.

وهذا قد يتكرر في الانتخابات القادمة ولكن مع ارتفاع عدد الاحزاب القادرة على التقدم في كل الدوائر، دون اغفال ان الانتخابات القادمة ستشهد ترشح ما لا يقل عن ثلاثة ائتلافات انتخابية حزبية، الجبهة الشعبية وائتلاف يجمع الحزب الجمهوري والمسار والحركة الديمقراطية وحركة مستقبل تونس المزمع الإعلان عنه في 17 من هذا الشهر، ثم الائتلاف المزمع تكوينه بين تحيا تونس وحركة مشروع تونس والمبادرة والبديل التونسي.

دون إغفال تلويح أكثر من مبادرة مواطنية بنيتها الترشح في الدوائر الـ33 ومنها مبادرة مواطنون ومبادرة صوت الحرية التي يشدد قادتها على انهم حققوا تقدما كبيرا في سعيهم لضبط قائماتهم الانتخابية. وينضاف لهؤلاء المستقلون الذين باتوا يمثلون في الانتخابات الثلاثة السابقة حوالي 30 % من المترشحين.

من مستعد ومن لا يزال؟
على الورق الكل مستعد لخوض الانتخابات وفق الرهان الذي وضعه، اذ ان جل الاحزاب وان لا تعلن ذلك صراحة تشارك من اجل ان تضمن بضعة مقاعد في البرلمان القادم قد تسمح لها بشكيل كتلها، فيما ينحصر التنافس الفعلي على الفوز وضمان الحكم لاحقا بين منافسين لا يتجاوز عددهم اصابع اليد الواحدة.

احدهم هو حركة النهضة التي انطلقت في عقد مؤتمراتها الجهوية لتجديد هياكلها وهي خطوة يقر النهضاويون انها مرحلة اولى في مسار الاستعداد للانتخابات، فالحركة وبعد استكمال مؤتمراتها الجهوية ستنطلق مع القيادة الجديدة في ضبط وتحديد سياساتها وخياراتها ومرشحيها.

لهذا فان التنافس في الحركة محتدم بين تياراتها و«مجموعاتها» فالكل يبحث عن ضمان موضع قدم له في القيادات المحلية والجهوية لضمان حظوظ اوفر لابناء التيار في تمثيل النهضة في الاستحقاق القادم ومنه يضمن تواجدا هاما في الكتلة البرلمانية التي ستكون احدى اوراق حسم ملف خلافة راشد الغنوشي في الحركة.

النهضة وهي تنطلق في استعداداتها الفعلية للانتخابات التشريعية تبحث عن توازن يوفر لها معادلة الفوز واستمرار تماسك الحركة، ولهذا فان التوجه العام صلب الحركة وفق المؤشرات الاولى ينبئ بانها ستتخلى عن سياسة فسح المجال للمستقلين، التي عززتها في الانتخابات البلدية حينما خصصت نصف قائماتها للمستقلين وبالمثل لرؤساء القائمات.

سياسة لن تعيدها الحركة لعدة اعتبارات اولها الاستحقاقات الداخلية في النهضة وثانيها ان الحركة تنافس للفوز بمقاعد لن يتجاوز عددها في افضل الفرضيات 75 مقعدا وهذا لا يشجعها على منح مقاعد لشخصيات مستقلة وان كانت قريبة او موالية لانها تريد ضمان تماسك بيتها الداخلي قبل كل شيء.

الاكراهات التي تواجهها النهضة في ضمان التوازن وتحقيق معادلة هشة تضمن رضا كل التيارات فيها، ليست خاصة بها اذ تشترك في هذا الهاجس مع ائتلاف الحكومة، المكون اساسا من تحيا تونس، فهذا الائتلاف وان كان قادته يؤكدون على ان مسألة الانتخابات لاتزال مبكرة فانهم يدركون ان كل مساعيهم المبذولة اليوم لتشكيل هذا الائتلاف واستكمال مسار تأسيس حركة تحيا تونس لن تكون ذات معنى اثناء مناقشة القائمات الانتخابية ولمن تؤول المقاعد الثلاثة الاولى فيها.

فحينها الخلاف سيبرز وكل طرف في الائتلاف سيطالب بتمثيلية اكبر في المواقع الثلاثة الاولى وفي رئاسة القائمات وهذا قد يمثل تهديدا جديا لسلامة الائتلاف خاصة وانه يضم حوالي 60 نائبا، جلهم يراهن على تجديد عهدته ويبحث عن ان يكون رئيس قائمة وفي أسوإ الحالات رقم اثنين فيها.اشكال مؤجل لكن القوم سيواجهونه عما قريب وهو ما سيحدد بقية مشوارهم.

ولئن كانت الانتخابات القادمة هي اول اختبار لائتلاف الحكومة فان الجبهة الشعبية سبق لها وان خاضت ثلاثة انتخابات، تشريعية ورئاسية وبلدية، وهذا يجعلها نظريا بمنأى عن الصدامات المتعلقة بالقائمات وهوية المرشحين، لكن النظري يصطدم اليوم بخلاف بين الوطد وحزب العمال بعد ان قدم الاول القيادي به منجي الرحوي كمرشح للرئاسية وينتظر ان تزكيه الجبهة لاحقا.

مرشح جديد جاء لينافس حمة الهمامي، مرشح الجبهة في 2014، وهذا ولد خلافا بين الحزبين اللذين لم يتوانيا عن كشف خلافاتهما في الاعلام، وهذا ان استمر قد يحدث إرباكا في الجبهة قد يتصاعد اكثر مع نقاشات ضبط القائمات الانتخابية .

احزاب ورهانتها
قد تكون المسائل معقدة بعض الشيء بالنسبة للجبهات الانتخابية او حركة النهضة لضبط قائماتها ومراعاة توازنات فيها، لكن الأحزاب ستكون في أريحية نسبيا ان تعلق الامر بتحديد مرشحيها ومن يترأس القائمة، بل ان بعضها على غرار افاق تونس قام بتحديد رؤساء قائماته منذ أسابيع. وعلى نهجه تسير بقية الاحزاب اليوم.

من بينها حركة نداء تونس التي بات شبه اكيد ان قادتها قد تجاوزوا مسألة عقد مؤتمر توحيدي وباتوا منشغلين بضبط قائماتها ومن يكون في صدارة القائمة، فالحزب وقادته ادركوا ان حظوظهم لم تعد تسعفهم لتحقيق نتائج ايجابية وان افضل ما قد يحقق بالنسبة لهم هو مرور رئيس القائمة ولهذا فقادة الحزب خيروا غلق ملف المؤتمر لضمان سلطة تسمح لهم بتحديد من يكون رئيسا للقائمة.

هذه الصورة العامة للمناخ واستعدادات الاحزاب والكيانات السياسية والمواطنية للانتخابات القادمة التي لم يعد يفصل عنها غير 212 يوما، قد تحمل مفاجأة جمة تغير المشهد وتعيد خلطه كأن يقع اعتماد العتبة الانتخابية التي قد تثني الكثيرين عن الترشح.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115