الاتحاد العام لطلبة تونس والاتحاد العام التونسي للطلبة ومستقلين على الفوز بمقاعد ممثلي الطلبة، تنافس كشف عن جملة من المؤشرات التي قد تكون ذات دلالة وان كان تأثيرها على المشهد العام محدودا في هذه السنة الانتخابية.
كشفت وزارة التعليم العالي عن نتائج انتخابات المجالس العلمية، التي تضمنت حصول الاتحاد العام التونسي للطلبة على نسبة 45 %من مجموع المقاعد مقابل 32 % للاتحاد العام لطلبة تونس، و23 %غير المنتمين لمنظمات، (انظر مقال كريمة الماجري.)
نتائج تكشف اكتساح الاتحاد التونسي للطلبة، المحسوب على حركة النهضة، للانتخابات والاهم اكتساحه لمعاقل الاتحاد العام لطلبة تونس، المحسوب على الأحزاب اليسارية والأحزاب ذات التوجه العروبي، وهذا للسنة الثالثة على التوالي، مع ارتفاع الفارق هذه السنة.
فمنذ 2016 شهدت انتخابات المجالس العلمية بالجامعة التونسية تغيرا في نتائجها لصالح الاتحاد العام التونسي للطلبة، الذي عانى في السنوات ما بين 2012 و2016 من صعوبات في الفوز او التجذر في الجامعة خاصة جامعات العلوم الإنسانية والقانونية والمعاهد التقنية، التي ظلت في تلك الفترة معقلا لليسار التونسي واتحاد طلبته.
فبعد الثورة، عاد الصراع في الجامعة التونسية بين اليساريين والإسلاميين، الذي شهد عنفوانه في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، ففي تلك الفترة كما اليوم كانت الساحة الطلابية في تونس تعيش على وقع صراع اتحادين متنافرين «ايديولوجيا»، زادت حدته بعد 2013 بسبب الاغتيالات السياسية التي طالت القياديين بالجبهة الشعبية شكري بالعيد ومحمد البراهمي.
ومنذها والجامعة التونسية تعيش على ثنائية الصراع بين الاتحاد العام لطلبة تونس، الذي أسس سنة 1953، والاتحاد العام التونسي للطلبة الذي اسس 1985، من قبل طلبة حركة النهضة الذين عجزوا عن «اختراق» المنظمة الطلابية الاولى ففضلوا تاسيس منظمتهم التي وقع حلها في التسعينات.
هذا الصراع التاريخي بين الطرفين، كان هو السمة الغالبة في الجامعة التونسية منذ مؤتمر نهاية فترة الرئيس بورقيبة، صراع طغى على الصراعات الثنائية التي كانت تدور بين الاتحادين، كل على حدة، مع طلبة الحزب الحاكم، التجمع الدستوري الديمقراطي، الذي عجز عن تكرار تجربة الحزب الاشتراكي الدستوري، الحزب الحاكم حتى 1989.
تجربة قوامها اخضاع الاتحاد العام لطلبة تونس في مؤتمر 1971، والدخول في صراع مع الطلبة اليساريين والعروبيين قبل دخول الاسلاميين بداية الثمانينات الصراع بشكل علني، الى ان بات الصراع في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات منحصرا بين الاسلاميين واليساريين.
صراع ادى بعد الثورة الى المشهد الطلابي، الذي عجزت جل الاحزاب الكبرى، كالنداء او غيرها، عن اختراقه، وظل حكرا على الاسلاميين واليساريين دون ان يعني هذا ان احزابا اخرى وتيارات لم تحاول الولوج للساحة الطلبية لما لها من اهمية.
فالاتحادات الطلابية كانت محطة اولى في الصعود السياسي لعدد من القيادات، سواء الإسلامية او اليسارية، وخاصة الأمناء العامين للاتحاد، على غرار الامناء الثلاثة للاتحاد العام التونسي للطلبة قبل حله في التسعينات، عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس الشورى حركة النهضة الحالي، وعبد اللطيف المكي عضو مجلس النواب وقيادي بارز في الحركة و نجم الدين الحمروني عضو مجلس الشورى والمستشار في رئاسة الحكومة.
هذه عينة من أهمية ومحورية الساحة الطلابية لدى اليساريين والإسلاميين، والعينة الأخرى هي الوزن الانتخابي للطلبة، فهم 250 ألف طالب، شاهدوا التجاذبات حادة بين الاتحادين التي بلغت أحيانًا ممارسة العنف بعد تبادل خطاب الكراهية والإقصاء، التي تعود بقوة في فترة انتخابات المجالس العلمية التي تغلب عليها التجاذبات الأيديولوجية والسياسية.
تجاذبات لاتزال منحصرة بشكل شبه كلي بين الإسلاميين واليساريين في ظل ضعف حضور بقية العائلات والأحزاب، رغم محاولاتها المحتشمة للتواجد في الجامعة بعد الثورة لاستغلال تحرير الفضاء الجامعي من هيمنة السلطة التي ضيقت على النشاط النقابي والسياسي منذ منتصف التسعينات الى غاية انهيار نظام بن علي في 2011.
الصراع بين الاسلاميين واليساريين في الجامعة، الذي يترافق مع غياب بقية الفصائل السياسية او اختيارها الانضمام لاحد المعسكرين، وما نتج عن انتخابات المجالس العلمية قد لا يكون «عينة صغيرة» لما قد تعيشه الساحة التونسية في الانتخابات القادمة ولكنه يقدم مؤشرات هامة على غرار ضعف نسبة المشاركة.