اعلن «الشيخ» ان فكرة حكومة انتخابات واردة والهدف الحيلولة دون الخلط بين الحزب والدولة، موقف لم يتبق منه غير النصف الثاني بعد انتهاء اشغال المجلس وهو «التنبيه لخطر الخلط بين الدولة والحزب».
يوم الاحد راشد الغنوشي يعلن من مدينة المكنين بولاية المنستير ان حركته لا تمانع في تشكيل حكومة انتخابات تحل محل حكومة الشاهد التي نبهها في تصريحاته الصحفية، الى خطر الانزلاق في توظيف اجهزة الدولة لصالح الحزب الجديد.
يوم الاثنين الفارط، عضو المكتب التنفيذي للحركة العجمي الوريمي ينشر مقالا يشرح فيه مقاصد رئيس حركته، ويشير الى ان فكرة حكومة انتخابات « فكرة قوية» فرضت نفسها على المشهد بعد تصاعد المخاوف من توظيف اجهزة الدولة، وهنا خص فقط الأجهزة الخاضعة للحكومة، لصالح الحزب السياسي الجديد «تحيا تونس».
خشية التوظيف اقترنت باشارة الوريمي الى انه من الضروري اخذ مسافة امان من الشاهد لصالح تونس والطرفين، والقصد هنا رئيس الحكومة والنهضة، فالشاهد بات الرجل القوي في المعادلة السياسية وفي الانتخابات القادمة وهذا يجعل من تشكيل حكومة انتخابات «محل نقاش».
ما كشف عنه يوم الاحد والاثنين الفارط، اعاد خلط الاوراق نسبيا، فالنهضة وبما اعلنته من مواقف جديدة تجاه شريكها في الحكم وحليفها يوسف الشاهد، برزت وكأنها تعد نفسها للتخلص منه في اقرب فرصة سانحة.
مظهر لم تستسغه الحركة فسارعت لعقد مكتبها التنفيذي، لتعيد صياغة موقفها المعلن عنه على لسان رئيسها وبعض قادتها وجعله موقف «مؤسسات» وهذا سيمكنها من تعديل الموقف دون حرج سياسي. وهو ما تم فالمكتب التنفيذي الذي انعقد مساء الاثنين الفارط انتهى الى صياغة موقف جديد عبر عنه في البيان الصادر عن المكتب والمذيل بتوقيع رئيسها راشد الغنوشي.
بيان نشر للعموم يوم امس الثلاثاء وفيه اكدت حركة النهضة على «قناعتها بأهمية الاستقرار الحكومي سبيلا لإعداد البلاد للإنتخابات، ولما حقق من نتائج إيجابية اقتصادية واجتماعية وأمنية في كثير من المجالات ،ولما تحقق من توافقات اجتماعية بين الحكومة والاتحاد، وما سجّل من نجاحات امنية في الحرب على الاٍرهاب والحد من التهريب والجريمة عموما».
هذا الجزء هو نصف الموقف الجديد الذي عبر عنه في النقطة الثانية من البيان ذي الاربع نقاط، اما النصف الثاني وهو ظل من الموقف القديم، فتعلق اساسا بان النهضة ترفض كليا «كل توظيف حزبي لمؤسسات الدولة ومواردها لصالح اي طرف حزبي».
وهنا تشرح النهضة السبب سواء في البيان او في تصريحات قادتها التي عقبت البيان، والسبب الاساسي هو ان التوظيف «تهديد للاستقرار ولبناء الثقة ولكل مسعى توافقي». وبهذا اصبح الموقف الرسمي من الحكومة وهو الدعم المشروط بعدم الخلط بين الحزب والدولة.
موقف وضعت له «مصطلحاته» التي تكررت في البيان وفي الحوارات التي اجريت امس مع قادة النهضة ومنهم علي العريض، والمصطلحات اساسا هي «دعم الاستقرار» و«خطر الخلط بين الدولة والحزب» و«الخلط يهدد المسار الانتقالي» كما انه «ينسف الثقة والشراكة».
كلمات ترددت كثيرا امس وبالمثل كان شرح «مقصد» تصريح رئيسها يوم الاحد الفارط، واحد هذه الشروح ما قدمه نائب رئيس الحركة الثاني علي العريض، بتلميحه الى ان تصريح رئيس حركته لم يفهم «جوهره» الذي يتمثل في «دعم الاستقرار الحكومي والحرص على عدم الخلط بين الدولة والحزب».
جوهر فصله العريض بالكشف عن ان النهضة تدعم حكومة الشاهد وبقاءها على قاعدة مقاومة الفساد وحسن الاستعداد للانتخابات القادمة والاهم عدم توظيف اجهزة الدولة لصالح المشروع السياسي الخاص برئيس الحكومة.
وهنا يترك العريض الدعم ليفصل اكثر موقفه ويشرح دوافعه الاساسية، فالنهضة ومن باب حرصها على النأي بالدولة واجهزتها عن التوظيف الحزبي، تنبه رئيس الحكومة وكل اعضائها من ان الخلط بين الدولة والحزب، ليس بالامر العادي او الهين بل هو الخطر الاعظم على «الانتقال الديمقراطي».
والتنبيه جاء بعد ان استشفت الحركة ان ثقافة الخلط بين الدولة والحزب سائدة لدى جزء هام من الطبقة السياسية، وهذه الثقافة لا تمثل عيبا بسيطا بل هي تهدد المسار الانتقالي وتهدم الثقة وتهدد الشراكة. لهذا سارعت النهضة بالتنبيه من خطر هذه الثقافة والتحذير من انها لن تسمح بالخلط. اذ لا سبيل بالنسبة للنهضة إلى العودة الى «الدولة/الحزب».
عند هذا الحد يبدو ان النهضة خيرت مراجعة موقفها الاول تجاه حكومة الشاهد بعد ان اتضح لها انه بمثابة اعلان «حرب» واختارت ان تخفف من حدته بجعله تنبيها من خطر الخلط، تنبيه ترفع النهضة من درجته ليستوعب حليفها انها لن تسمح له بتجاوز «خطوط» معينة. وهذه الخطوط ليست بالاساس ما يعلن دائما.