تفصلنا اليوم عن الانتخابات التشريعية حوالي 8 أشهر و9 عن الدور الأول للرئاسية والصورة بصدد الاتضاح : تقدم نسبي هام للنهضة التي تحصل على ثلث نوايا التصويت المعلنة وتراجع تاريخي للنداء (%15.5) وثالوث ينوي لعب أدوار مهمة : التيار الديمقراطي بـ%10 ثم الجبهة الشعبية بـ %8.9 فالحزب الدستوري الحر بـ%6.5.
أما في الرئاسية فالتقدم كبير ليوسف الشاهد بـ%30.7 مقابل تنافس ثالوث على المرتبة الثانية : قيس سعيد بـ%12.5 والباجي قائد السبسي بـ%10.8 فالمنصف المرزوقي بـ%9.0..
تظل نسبة العزوف عن التصويت مرتفعة رغم صعوبة قيسها بدقة أما ربع المستجوبين فلم يقرروا بعد هل سيصوتون أم لا ولمن سيصوتون في صورة توجههم لصناديق الاقتراع .
مع اقترابنا من المواعيد الانتخابية تتضح الصورة تدريجيا وشبه الثابت فيها هو تصدر النهضة بحوالي ثلث نوايا التصويت المصرح بها وانهيار متواصل لنداء تونس الذي أضحى قاب قوسين أو أدنى من ثالوث يلاحقه : التيار والجبهة والحزب الدستوري الحر ..
في الحقيقة لا تحقق النهضة تقدما كميا في الجسم الانتخابي إذ لو جازت لنا مقارنة نتائج الانتخابات التشريعية في 2014 بمعطيات سبر آراء نوايا التصويت (وهي مقارنة غير دقيقة علميا ) لقلنا بأن النهضة تخسر حوالي ثمانين ألف صوت ولكن تفاقم العزوف هو الذي يعطيها %33.3 من نوايا التصويت المصرح بها ..
أما نداء تونس فهو اليوم في أسوإ حالاته ولم ينزل إلى هذا المستوى (%15.5) منذ سنة 2013 وبالمقارنة الحذرة مع نتائج 2014 نجد أن النداء بصدد خسارة حوالي 900.000 صوت ، ولو تواصل تدحرجه هذا فسوف يفقد حتى المرتبة الثانية إذ لم يعد يفصله عن ملاحقه ، التيار الديمقراطي ، سوى خمس نقاط ونصف فقط.
ولسنا ندري إلى اليوم ما هو الوزن الحقيقي للحزب الجديد الذي أنشئ حول رئيس الحكومة «تحيا تونس» وهل أنه سيقتسم الفتات الندائي أم سيتمكن من جلب جزء من الأصوات التي غادرت الحزب الفائز في 2014؟
الجديد مقارنة بـ2014 هو تواصل صعود ثلاثة أحزاب وهي التيار الديمقراطي والجبهة الشعبية والحزب الدستوري الحر . لقد حققت هذه الأحزاب بعض التقدم منذ الانتخابات البلدية في ماي 2018 وهي تسعى في الأشهر القادمة لتكون وازنة في المشهد البرلماني ولتتجاوز مفهوم «الأحزاب الصغرى» بتحقيق نتائج تفوق 5 % ولم لا تقترب من العتبة الرمزية لـ10 % وهكذا تصبح أحزابا هامة وبكتل نيابية تعد بالعشرات لا بالآحاد..
بعد هذا الثالوث الصاعد كل الأحزاب الأخرى هي دون 2 % من نوايا التصويت المصرح بها ولو بقي الوضع على ما هو عليه ستجد هذه الأحزاب صعوبات جمة للوصول إلى قبة باردو خاصة لو تم التصويت على عتبة بـ5 % خلال الجلسة العامة ليوم الثلاثاء 19 فيفري الجاري
عزوف مرتفع وتردد كبير
من الصعب اليوم أن نقيس بدقة نسبة العزوف عن التصويت ما دامت العينة لا تميز بين المسجلين وغير المسجلين في السجل الانتخابي. ولكن لو اعتمدنا على نوايا التصويت المعلنة وعمّمناها على كامل الجسم الانتخابي سنجد أننا نتجاوز بقليل 2.600.000 وما يعطينا نسبة مشاركة تقارب %50 وهي دون عشرين نقطة من انتخابات 2014 ،ولكن ينبغي هنا أن نلفت النظر إلى أن حوالي ربع العينة متردد ولا نعرف هل سيصوت أم لا ولمن سيصوت في صورة تحوله إلى صناديق الاقتراع وهذا ما يعطينا حوالي مليوني ناخب لم يقرروا مقاطعة الانتخابات ولكن تصويتهم مازال غير متأكد .
والأرجح أن جزءا منهم على الأقل سيغير رايه خلال الأسابيع والأشهر القادمة بقدر اتضاح العرض الانتخابي وجاذبيته بالنسبة اليهم.
في السوسيولوجيا الانتخابية
لا يسمح عدد العينة بضبط دقيق للمحددات السوسيولوجية للناخبين ولكن هنالك اتجاهات عامة يمكن رصدها ونجد فيها تأكيدا أو تدقيقا لما برز في كل عمليات سبر آراء نوايا التصويت السابقة .
• التصويت النهضاوي رجالي بالأساس وفي الطبقات الوسطى أيضا إذ يضعف في الطبقة المرفهة وفي الطبقة الشعبية كذلك وهو لا يتأثر كثيرا بعامل السن رغم ضعفه النسبي عند الشباب مقابل تقدم نسبي عند صغار الكهول (30 - 44 سنة) وفي شريحة ما فوق 60 سنة .
كما تتمركز القاعدة الانتخابية الإسلامية عند ذوي مستوى التعليم الابتدائي والثانوي بالأساس وكالعادة تتفوق النهضة بوضوح في كل ولايات الجنوب الست وتعرف أسوأ حضور شعبي لها في الولايات الأربع للشمال الغربي.
• التصويت للتيار الديمقراطي هو بالأساس نسائي وفي الطبقة الوسطى العليا ونجده لا يتأثر كثيرا بالمستوى التعليمي ولكنه يبقى شبابيا ومناطق قوته هي ولايات الجنوب الشرقي (قابس ومدنين وتطاوين) وصفاقس وبدرجة أقل في تونس الكبرى
• القاعدة الانتخابية للجبهة الشعبية توجد بالأساس في الطبقة الوسطى العليا والطبقة الشعبية وهي أكثر نسبيا عند الرجال ومناطق قوتها في الوسط الغربي والجنوب الغربي وهي لا تستهوي كثيرا الشباب مقابل حضور لافت عند كبار الكهول (45 - 59 سنة) وعند من تجاوز وا الستين.
• يحافظ نداء تونس على مواقع قوة في الطبقة الشعبية والطبقة المرفهة كذلك وهو تصويت يغلب عليه جندريا الذكور ويبقى قويا نسبيا في الشمال الغربي والوسط الغربي وهو يستهوي من تجاوزوا الستين وطرفي النقيض في المستوى
التعليمي : الأميون وأصحاب المستوى الجامعي .
الانتخابات الرئاسية : هروب يوسف الشاهد
المعطى الجديد في سبر آراء نوايا التصويت للانتخابات الرئاسية هو التقدم الكبير ليوسف الشاهد على بقية منافسيه المحتملين مع التأكيد بـأن الإجابات تتم بصفة تلقائية ودون تقديم أية مقترحات سواء تعلق الأمر بالتشريعية أو بالرئاسية ..
لأول مرة يتقدم الشاهد بفارق كبير جدا على البقية إذ يحصل على %30.7 من نوايا الأصوات المصرح بها في حين لا يتحصل صاحب المرتبة الثانية قيس سعيد إلا على %12.5 من الأصوات أي أن الفارق بينهما في حدود 18 نقطة كاملة وهذا ما يعني ، إلى حد اليوم ، أن يوسف الشاهد في صورة ترشحه للرئاسية متأكد تقريبا من المرور إلى الدور الثاني ولكن في المقابل ثلاثة مرشحين مفترضين يتنافسون على المقعد الثاني المؤهل للمنافسة النهائية وهم أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد بـ%12.5 من نوايا التصويت ورئيس الجمهورية الحالي الباجي قائد السبسي بـ%10.8 ورئيس الجمهورية الأسبق المنصف المرزوقي بـ%9 ،وهذا الثالوث بدوره قد ابتعد بصفة واضحة عن ابرز ملاحقيه وفي طليعتهم حمة الهمامي الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية والذي يحصل على %4.4 من نوايا التصويت فقط ..
في مفارقات الانتخابات الرئاسية
• في سنة 2014 كانت نسبة التصويت في الانتخابات التشريعية أرفع بوضوح من الانتخابات الرئاسية، ولكن في كل عمليات سبر الآراء المنجزة خلال هذه الأشهر الأخيرة يبدو ان الرئاسية هي التي تجلب اهتمام التونسيين فهنالك حوالي مليون ناخب إضافي للرئاسية مقابل التشريعية مما يعطينا مبدئيا نسبة مشاركة في حدود ثلثي المسجلين ..
• يتجاوز يوسف الشاهد عتبة مليون ناخب (أكثر من 1.100.000) في سبر الآراء هذا وهو يقترب ، لوحده من النتيجة التي حصل عليها الباجي قائد السبسي في الدور الاول سنة 2014 في حين لا يحصل رئيس الجمهورية الحالي الا على حوالي 400.000 صوت اي انه خسر حوالي 900.000 ناخب وهذا ما يجعله في وضعية صعبة وان كانت التوقعات على هذه الوضعية فالأرجح أن الباجي قائد السبسي لن يقدم نفسه لعهدة انتخابية ثانية.
• رغم تصدر حركة النهضة نوايا التصويت في التشريعية بـ%33.3 فان زعيمها ومؤسسها لا يستطيع مراكمة هذه النتائج على اسمه وشخصه فنجده في المرتبة الثامنة بـ%3.1 اي دون عشر الخزان الانتخابي لحزبه وهذه من اكبر المفارقات في الحياة السياسية التونسية : حركة عقائدية تحظى بشعبية واضحة ولكن زعيمها ومؤسسها لا يحظى بثقة جل ناخبي الحركة.
هذه هي الصورة الوقتية لموازين القوى الحزبية ولحظوظ الشخصيات السياسية في الانتخابات الوطنية القادمة .. صورة فيها ثوابت أتينا على بعضها ومتغيرات لم تبرز بعد بالشكل الكافي يمكن أن نوجز أهمها في ثلاث نقاط :
- أي وزن للحزب السياسي الجديد لرئيس الحكومة؟
- كيف ستكون مساهمة اتحاد الشغل في انتخابات قال انه معني بها ولكن دون توضيح شكل وحجم هذه المشاركة ؟
- أي مستقبل للقائمات المستقلة خصوصا إذا تم اعتماد عتبة %5 في التشريعية ؟
أسئلة تنتظر إجابات خلال الأسابيع والأشهر القادمة
الجذاذة التقنية للدراسة
العينة : عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي مكونة من 805 تونسي تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر.
تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas) حسب الفئة العمرية، الولاية ، الوسط الحضري أو الريفي.
طريقة جمع البيانات : بالهاتــــــف
CATI (Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Center)
نسبة الخطأ القصوى %3.5
تاريخ الدراسة : 11 فيفري الى 14 فيفري 2019