أطفال «الدواعش» وأطفال «مدرسة» الرقاب: الضحية واحدة والمعالجة نوعان... أطفال يُتركون للمجهول

ملف الأطفال التونسيين من ضحايا التطرف، لا يبدو انه يحظى بمعالجة موحدة، سواء من الدولة التونسية او من المجتمع، ومثال حي

عن ذلك كيف عالجت الدولة ملف أطفال «مدرسة» الرقاب وكيف تعالج ملف الأطفال التونسيين في مخيمات أو بؤر التوتر خاصة في سوريا وليبيا. اختلاف كلي يكشف عن تناقض الدولة والمجتمع في معاملة أطفال كانوا ضحايا أهلهم والمتطرفين سواء من الدواعش المعلنين أو المتسترين.

يوم الاثنين الفارط أعلن وزير الداخلية أن قاضي الأسرة أمر بإعادة أطفال المدرسة القرآنية بالرقاب إلى ذويهم، قرار لم يحظ بقبول جزء من الرأي العام التونسي الذي اعتبر القرار في غير صالح الأطفال الـ47 ، والرفض لم يقتصر على الشارع بل ان عضو مجلس النواب عن كتلة الائتلاف الوطني هاجر بالشيخ وصفت القرار بـ«الصادم» واستنكرت ان يقع تسليم اطفال في وضعية هشة.

استنكار واحتشاد الشارع التونسي خلف أطفال مدرسة الرقاب، الذين حظوا نسبيا بمعالجة جيدة لملفهم الذي حرصت الحكومة على معالجته بشكل تام لتفادي تداعياته عليها. يقابله في الجهة الاخرى كيف عالجت الدولة التونسية والمجتمع نفسه ملف «اطفال داعش» من التونسيين.
ملف أصدرت منظّمة «هيومن رايتس ووتش» امس بيانا بشأنه جاء فيه أنّ «السلطات التونسية تتقاعس في إعادة أطفال تونسيين تابعين لعائلات تنظيم داعش الإرهابي محتجزين بلا تُهم في معسكرات وسجون أجنبية إلى تونس». كما نقلت المنظمة شهادات لامهات اطفال تونسيين في معسكرات سواء بليبيا او شرق سوريا.

شهادات جاء فيها ان الاطفال يعيشون في زنزانات مكتظة بليبيا أو في معسكرات تتكون من خيام شمال شرق سوريا، كما انهم «يعانون من نقص حادّ في الغذاء واللباس والدواء»، ويضاف لهذا ما اكّدته «ليتا تايلر»، الباحثة المختصة في مكافحة الارهاب بهيومن رايتس ووتش من ان أطفالا تونسيين عالقون في هذه المعسكرات دون تعليم ولا مستقبل، ولا أمل لهم في الخروج من هناك وحكومتهم لم تُقدّم أية مساعدة تُذكر».

ولم يقتصر بيان هيومن رايتس على ذكر الشهادات بل قدم معطيات عن اللقاءات التي جمعت وفدا عنها في ديسمبر 2018، مع أقارب 35 طفلا محتجزين في ليبيا وسوريا، وكذلك مسؤولين حكوميين ونشطاء حقوقيين وممثلين عن الأمم المتحدة بعد ان زارت في جويلية وسبتمبر 2018، 3 معسكرات شمال شرق سوريا خاضعة للسلطات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، يُحتجز فيها نساء وأطفال تونسيون ومن جنسيات أخرى لهم صلات بأعضاء تنطيم داعش الارهابي.

لقاءات مكنت المنظمة من تقدير اولي لعدد الأطفال التونسيين انضم اباؤهم الى تنظيم داعش الارهابي وقتلوا او القي القبض على البعض منهم، ويبلغ هذا العدد حوالي 200 طفل يرجح أنهم تونسيون، محتجزون في الخارج لفترات بلغت العامين بصفتهم من عائلات أعضاء تنظيم داعش الإرهابي، واغلب هؤلاء الأطفال وأمهاتهم في سوريا وليبيا وبعضهم في العراق.

هذا البيان كشف ان الحكومة التونسية، ممثلة في وزارة المرأة ووزارة الخارجية، لم تبذل الكثير لاسترجاع الاطفال الذين دعت المنظمة إلى ضرورة توفير خدمات إعادة تأهيلهم وإعادة ادماجهم ومعاملتهم في المقام الأول على أنهم ضحايا، وإلى عدم وجوب محاكمتهم بسبب صلاتهم بجماعات مثل داعش ما لم تتوفر أدلة على تورطهم في أعمال عنيفة.

ملف لم يكن بيان هيومن رايتس أول من يثيره خلال الاسابيع الفارطة، بل أعاد التذكير به تحقيق استقصائي بعنوان «أطفال الوصم» تعلق بالاطفال المحتجزين في ليبيا، معاناة عشرات الأطفال اليتامى من أبناء مقاتلي تنظيم «داعش» الارهابي بملجأ الهلال الأحمر الليبي، كما يقبع عشرات اخرون مع أمهاتهم داخل السجون الليبية منذ العامين.

وبلغ عدد هؤلاء الاطفال حوالي 200 تراوحت اعمارهم، لدى نشر التحقيق بين الشهر الواحد والثلاث عشرة سنة، من بينهم اطفال تونسيون. رصد التحقيق كيف «خذلتهم» الدولة التونسية التي لم تنجح في الثلاث السنوات الفارطة إلا في استرجاع 3 اطفال.

ولكن رغم ذلك تشدد وزارة الخارجية على ان تونس «تولي أهمية خاصة» لحالات الأطفال المحتجزين في إطار «إيمانها الراسخ بحقوق الإنسان». مذكرة بانها استرجعت ثلاثة اطفال من ليبيا وهي في طور استرجاع 6 اطفال يعيشون في مأوى تابع لـ «الهلال الأحمر» بليبيا.

و قالت وزارة الشؤون الخارجية في ردّها على اسئلة هيومن رايتس أن الحكومة لن ترفض استقبال محتجزين لهم جنسية مثبتة، مشيرة إلى أن الدستور التونسي يحظر إنكار الجنسية أو سحبها أو منع المواطنين من العودة. لكن دون ان تقدم الاجراءات التي ستتخذها لاستعادة حوالي 200 طفل عالق في ليبيا و سوريا والعراق.

اطفال ذنبهم ان اهلهم التحقوا بتنظيم داعش الارهابي تاركينهم يواجهون مصيرهم بمفردهم بعد مقتل الاب او سجنه، ليسجن الطفل مع امه ان وجدت او ينقل الى ملاجئ او معسكرات، لم يسبق وان زارتها وفود عن الدولة التونسية، باستثناء ملاجئ الهلال الاحمر الليبي، الذي زاره وفد تونسي من وزارة الخارجية والشرطة الفنية لاخذ عينات DNA من الاطفال وهذا كان في جانفي الفارط وبضغط من الهلال الاحمر الليبي الذي امهل الحكومة شهرا لمعالجة ملف 6 اطفال تونسيين لديه.

معاناة اطفال تونسيين لاسرة التحقت بتنظيم داعش الارهابي خلال السنوات الفارطة، ليست بالكافية لتتحرك الحكومة او المجتمع المدني من اجل اعادتهم، تاركة اياهم مع اكثر من 1250 طفلًا من 46 جنسيّةً، يقبعون في سجون او معسكرات لم يعرفوا غيرها، اذ تشير الاحصائيات الى ان 80 % من هؤلاء الاطفال اعمارهم أقلّ من 6 سنوات، والبقية بين 6 و13 سنة.

بعيدا عن حجج الدولة التونسية من ان اجراءات التأكد من ان الاطفال تونسيون والتنسيق مع الجهات الرسمية لاسترجاعهم، هناك حقيقة يدركها الجميع وهي ان هذا الملف «غير مرغوب في فتحه» فالحكومة، وان لم تقر بهذا بشكل صريح، تخشى من ان اعادة الاطفال ستكون مرتبطة باعادة امهاتهم وهن خطر امني.

ولتجنب هذا الخطر تحبذ تونس ان يترك الاطفال وامهاتهم في سجونهم او معسكراتهم، وهذا استمرار للمقاربة التونسية في معالجة الملفات الصعبة، التاجيل وترك الزمن يفعل فعله لعله ينهي الامر. وهذا للاسف يجد «دعما» ضمنيا من قبل الراي العام الذي لا يفرق بين راشد التحق بداعش الارهابي وطفل ولد او نقل

صغيرا الى الاراضي التي سيطر عليها التنظيم في السنوات الخمس السابقة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115