حوار رئيس الجمهورية مع صحيفة «العرب» اللندنية: غلق الطريق على النهضة والشاهد يدفع قائد السبسي إلى المحظور

يوم امس نشرت صحيفة «العرب» اللندنية حوارا مع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي صيغ في شكل غير مباشر، وخصص له

غلاف الصحيفة. هذا الحوار لو وقع الاقتصار فيه على ما ورد بين معقفين، اي كلام الرئيس المنقول كما هو، لكان كافيا لفهم مقاربة الرجل وكيف يعتزم التحرك خلال الفترة القادمة.

سنة 2012 تعالت أصوات تنتقد الرئيس السابق المنصف المرزوقي، لانه يتحدث عن شأن وطني سواء في وسائل اعلام اجنبية او في محافل خارج تونس، واللوم كان يوجه اليه على انه لم يستطع ان يفصل بين موقعه كرئيس كل التونسيين وبين كونه رئيس حزب ولاعبا سياسيا.
من بين الاصوات التي انتقدت المرزوقي كان الباجي قائد السبسي، الذي انطلق في تاسيس حزبه، حركة نداء تونس وفاز معه بالانتخابات الرئاسية والتشريعية في 2014، لكن هذا كان قبل ان يجد الرئيس نفسه يتحدث عن ملفات داخلية سياسوية بامتياز في وسيلة اعلام اجنبية، وان كان لها مقر هام في تونس.

حكومة حركة النهضة
الرئيس الباجي قائد السبسي، وقع في ما نهى عنه سابقه المنصف المرزوقي، فالرجل انشغل بالحديث عن معارك حزبية وتفاصيل صراعات بين الفاعلين ومنها الصراع بينه وبين رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وحركة النهضة. ووزع الاوصاف والتقييمات على الجميع.

أول تقييماته التي تحدث فيها عن الشأن الداخلي، كانت تاكيده على ان حركة النهضة هي «المسيطرة على المشهد السياسي». سيطرة يقول انها ظهرت بعد فشل حوار وثيقة قرطاج2 التي طالب اغلبية المشاركين فيه برحيل حكومة الشاهد ولكن النهضة رفضت وكان لها ما ارادت.

هذه الحجة التي يقدمها الرئيس في حواره، تقوم ايضا على أنّ حركة النهضة تسيطر على المشهد السياسي التونسي، باعتبارها المساند الرئيسي للحكومة ورئيسها وانه بلا هذا الدعم «لن تكون هناك حكومة»، رغم اقراره في ثنايا الحوار ان النهضة ليست لها الاغلبية في مجلس نواب الشعب، فكتلتها تضم 68 نائب،من بين بـ130 نائبا صوتوا لحكومة الشاهد.
لكن هذا الاقرار لا يمنع من اعتبار الحكومة الراهنة تخضع للنهضة التي بسطت سيطرتها الكاملة عليها، وخرقت الدستور في ما يتعلق بملف التحوير الوزاري، الذي غيب عنه الرئيس ولولا حرصه على مصلحة تونس لكان تمسك بنص الدستور الذي يقتضي ان يستشار الرئيس ويقدم رأيه بشان الحكومة.

لكن الحرص هو ما حال دون هذا، حتى وان ادى «حرص» الرئيس الى ان تترسخ سلطة النهضة على المشهد، ذات الحركة التي قال عنها الرئيس ان الشعب انتخبها ولكنها اليوم «غيرت المعادلة» مثلها مثل الائتلاف الوطني، الذي انتخب اغلب اعضائه تحت راية النداء. ولكن سياحتهم الحزبية حملتهم الى وجهات اخرى.

الربط بين الائتلاف الوطني وحركة النهضة، ليس المراد منه على ما يبدو ان يقدم الرئيس الكتلة الثانية في البرلمان على انها مؤثرة بقدر حرصه على ابرازها في صورة التابع للنهضة او «صنيعة النهضة». وهذا يتأكد لدى عدم التطرق الى أزمات حزبه المتتالية وتشتته بسبب نجله حافظ والصراعات التي جمعت بينه وبين رئيس الحكومة.

لكن لا اشارة الى كل هذا فالحوار يبدو انه اقتصر على امرين اساسيين، النهضة والشاهد. وهنا يقدم الرئيس الاولى على انها انقلبت على التوافقات ونتائج الانتخابات وعملت لتدمر حزبه، بقوله «ان الازمة في النداء بفعل فاعل» ويترك لخيال القارئ استنتاج من هو هذا الفاعل المستتر.

النداء دمر بفعل فاعل
اذ هو «فاعلان»، الاول الشاهد الذي اعماه طموح البقاء في السلطة عن كل شيء فجعله يكون تابعا للنهضة التي استعملت الاخير او غيره من قبله لتتسبب بازمات الحزب، هذا ما اراد الرئيس قوله لكنه اكتفى بالتلميح.

تلميح يختفي ليصبح «صراحة» عند الحديث عن النداء الذي يقول الرئيس انه «تراجع» لكن هذا التراجع بفعل فاعل. كما ان سببه ميل التونسي «للسلطة» التي بيد رئيس الحكومة اليوم، وهذا يعني ان الأخيرة هي التي تغري التونسيين وهذا مراد حركة النهضة لضرب النداء بل والرئيس الذي يقول ان النهضة ستدعم «ترشح الشاهد لرئاسية 2019».

دعم يعود الباجي قائد السبسي الى ربطه بدور الشاهد في اضعاف الرئيس والنداء، فالشاهد وهو ابن النداء «حين اراد البقاء في السلطة قال إنّ لديه خلافا مع النداء» وهذا تلقفته النهضة واستغلته لتكون النتيجة - مرة اخرى- سيطرة النهضة على الحكومة والمشهد السياسي.

حركة يفتح الرئيس ملف «جهازها السري» ويشدد على ضرورة معرفة الحقيقة بكل شفافية، ليكون الشعب على بينة من الامر، وهذا يعنى ان الرئاسة قد تشهر تفاصيل بالوثائق عن الملف لضمان سلامة «المسيرة التي نمشي فيها»، لكن هنا يقول الرئيس انه «لا بد أن نتأكد من إن كان هناك ذراع سرية» فالحركة تنكر ولكن مراقبين ومحامين يقولون ان الجهاز موجود. وتونس تريد ان تعلم من يقول الحقيقة، لتظل «ثورتها نزيهة».

ومن الجهاز الى التنظيم العالمي للاخوان، يتحدث الرئيس دائما عن النهضة، التي يقول انها « من جماعة الإخوان المسلمين» وهو لا ينكر أنها قامت بمجهود لـ«التونسة» ولكن هذا غير كاف. والرئيس يريد المزيد لسلامة «التمشي التونسي» والمزيد يتضمن معرفة «حقيقة الجهاز السري ودوره في الاغتيالات السياسية».

كل هذا الحديث عن النهضة، وبدرجة اقل عن الشاهد وحكومته، هما جزء من معارك الاستقطاب مع اقتراب موعد الانتخابات التي يقول الرئيس انه سيحترم آجالها الدستورية مثلما فعل مع الانتخابات البلدية، التي لم يشر إلى انها أجلت بسبب عدم دعوة الرئيس للناخبين في الآجال الدستورية سنة 2017.

والحديث عن الهيئة وعن احترام المواعيد لتجنب اهتزاز الأوضاع في البلاد يأتي إثره الحديث عن اتحاد الشغل الذي يرى الرئيس ان دوره لا يقتصر على النقابي والاجتماعي بل له دور سياسي تاريخي، فهو كان جزءا من الدولة والنظام، الى غاية 1978 تاريخ الإضراب العام. تاريخ يشدد الرئيس أن البعض لم ينتبه إلى تحذيراته من تكرار ما حدث فيه.
دور الاتحاد لا يرى الرئيس مانعا في ان يتطور ليكون الترشح للانتخابات وترك الشعب يقرر من يحكم البلاد، ففي النهاية الأمر بيد الشعب الذي ذكره الرئيس بأنه سنة 2014 كان أمامه خياران الباجي قائد السبسي أو النهضة. وهذان الخياران قد يجدهما الشعب أمامه مرة أخرى.

الرئيس والعهدة الثانية
فالرئيس الذي ربط ترشحه لانتخابات 2019 بمصلحة تونس وبنجاح نداء تونس في إنهاء تراجعه، لم يفته طوال الحوار مع الصحيفة ان يمهد لهذا الأمر. فحديثه عن النهضة وخطرها، سواء الجهاز او سيطرتها على المشهد والحكومة وكيف كانت سبب «تراجع»حزبه النداء. او حديثه عن الشاهد الذي قدمه في صورة الطامع في الحكم مهما كلف الامر. طمع جعله ينقلب على حزبه ويصبح تابعا للنهضة التي ليست سوى امتداد لتنظيم الاخوان الدولي، وفق الحوار ومضمونه.

كل هذا التمهيد دون اغفال ان الرئيس قد يجد نفسه مضطرا للترشح من اجل «مصلحة تونس» ليس سوى تمهيدا للترشح الذي يبدو انه سيكون مرتبطا بمؤشرات اخرى، تتعلق بحظوظ الرئيس اساسا.
حوار جانب فيه الرئيس الصواب، شكلا ومضمونا وعكس صورة سيئة عنه، اساسها ان الطموح لعهدة ثانية جعل الرئيس يقع في ما كان ينهى عنه وتورط في صراعات «سياسوية» حزبية عوضا عن ان يكون صوت تونس.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115