قادة النهضة والجهاز السري... الغرفة السوداء... مصطفى خضر : تخبط القوم والبحث عن المخرج بعد التورط في النفي

أحينا لا يحتاج المرء ان يبحث عن حقيقة ما بعيدا عن «أفواه» المعنيين بها، وهنا هم قادة حركة النهضة التي

فتحت عليها هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي أبواب الجحيم السبعة، باثارتها لما عرف بقضية الجهاز السري وما تفرع عنها، نفتها النهضة قبل ان تعدل قليلا وتصل إلى مرحة لا ولكن، وكل هذا جنبا الى جنب مع الهجوم على الخصوم.
منذ اكتوبر الفارط، وتحديدا تاريخ الندوة الصحفية لهيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وحركة النهضة تعيش مراحل الصدمة/ الحزن. وهي حاليا في المرحلة الثالثة، وهي المساومة بعد ان مرت بمرحلة الانكار، والغضب.

حركة النهضة وهي في الطور الثالث من التعامل مع الصدمات/الحزن، وفق نموذج كيوبلر روس، كشفت عن إمكانية تقديم تنازلات لرئيس الجمهورية، قضية الميراث، هيئة الانتخابات التوافق بعد2019، مقابل عدم انخراط الرئيس في ملف الجهاز السري بكل ثقله.
هذه التنازلات تندرج في مرحلة المساومة، حيث تلجأ النهضة الى التفاوض مع الطرف الاقوى في المعادلة وفق تصورها، لتجد معه صيغة لجعل الملف يقف عند الحد الذي بلغه خلال الايام الفارطة.
لكن قبل الوصول الى هذه المرحلة مرت حركة النهضة بمرحلتين، في نموذج روس، وهي الانكار، فالنهضة وطوال شهر اكتوبر الفارط، اطل قادتها، دون راشد الغنوشي، لينفوا قطعيا وجود جهاز سري للحركة او ان مصطفى خضر من ابنائها الحاليين.
النفي والنفي والنفي...

نفي صدر عن كل من عبد الكريم الهاروني، وعلي العريض ونور الدين البحيري، في تصريحات صحفية متعددة وثقت منذ تاريخ 2 اكتوبر 2018 ، الذي انطلقت فيه الحركة في ترديد تصريحات تنفي فيها وجود جهاز سري أو أن يكون خضر من ابنائها، واختص علي العريض، بصفته وزير داخلية ورئيس حكومة سابق، بنفي وجود غرفة سوداء في وزارة الداخلية.

نفي وجود جهاز سري، تكرر بشكل مبطن في اول بيان يصدر عن مؤسسة من مؤسسات الحركة، وهي مجلس الشورى، حيث جاء في النقطة الخامسة من بيان الدورة 22 للمجلس، انه «يشجب ما أدمنت عليه بعض الأطراف السياسية الأيديولوجية المتطرفة من سياسة ثابتة في تلويث المناخ الوطني، ويستنكر الادّعاءات والافتراءات التي صدرت عن الجبهة الشعبية في محاولة يائسة للإساءة الى الحركة وإلى مؤسسات الدولة من قضاء وأمن وجيش والتشكيك في نزاهتها ممّا يشوّه التجربة الديمقراطية وصورة البلاد ويخفّض من ثقة المستثمرين في الوجهة التونسيّة».

بحلول العاشر من اكتوبر الفارط، قل حديث قادة الحركة عن الجهاز السري ومصطفى خضر والغرفة السوداء، اذ اكتشفت الحركة انها كلما نفت وقعت في لخبطة بسبب بعض التباينات في التصريحات، خاصة ان تعلقت بالجهاز السري، فالنهضة وهي تنفي وجود هذا الجهاز لم يقتصر نفيها على ما بعد الثورة بل عممته ليكون منذ لحظات التأسيس الأولى. وهذا النفي صدم بشهادات سابقة لقادتها، منهم المنصف بن سالم في كتابه حيث اقر بوجود هذا التنظيم السري وان بمسميات مختلفة.

في خضم هذا البحث المضني عن تقليص تداعيات الندوة الصحفية لهيئة الدفاع، بحثت النهضة عن مخارج وحلول، ومنها ما اعلن عنه رئيس الحركة في الندوة السنوية الثانية لها، في اكتوبر الفارط ايضا، من ان النهضة ومنذ مؤتمر 1995 تخلت عن العمل السري الذي اجبرها عليه النظام السابق.

نصف إقرار بان الحركة كانت لها نشاطات سرية، مع الحرص على نفي وجود اي جهاز سري، وهنا اطلق زعيم الحركة المرحلة الثانية من مراحل التعامل مع الصدمات، وهي الغضب، ليعلن الرجل في ذات الحدث أنّ أطرافا تحاول عبثا «استصحاب خطاب المخلوع وسياساته في التعامل مع حركة النهضة باعتبارها ملفّا أمنيا وليست حزبا سياسيا». مع الاستشهاد بان القضاء الاجنبي برأ النهضة من تهم مماثلة في الثلاثين سنة الماضية.

الغضب والهجوم على الخصوم
رحلة الغضب استمرت الى غاية الان تقريبا، مع اقترانها بمرحلة المساومة، ففي الاشهر الثلاثة السابقة، كان خطاب النهضة تجاه ملف الجهاز السري ومصطفى خضر يقوم على نفي مطلق مع هجوم على الجبهة وكل من يتبنى هذه التهم.

هجوم عبرت عنه بشكل صريح في بيان صدر عن الحركة في 26 من نوفمبر الفارط، جاء فيه انها تدين اقحام رئاسة الجمهورية في الملف وتعتبر ان هيئة الدفاع تتحرك لغايات سياسية وايديولوجية، وقد ذيل البيان بتوقيع رئيس الحركة راشد الغنوشي.

هذا البيان الذي رد عليه رئيس الدولة بانه «لم ينم منذ صدوره» في تهكم على الحركة، كان اول وآخر خطاب او سلوك عدواني/ غاضب يستهدف رئاسة الجمهورية، التي باتت الحركة تبحث عن ايجاد توافقات معها. مع الحفاظ على الهجوم العنيف ضد الجبهة ومن جاورها.

هجوم استمر الى غاية 12 جانفي الجاري، تاريخ اعلان رئيس الحركة ان ندوات هيئة الدفاع مشابهة لندوات عبد الله القلال وزير داخلية بن علي في التسعينات، وان الهيئة نصبت نفسها محكمة لتحاكم النهضة في وسائل الاعلام والندوات. وهنا لم يفت رئيس الحركة ان ينفي وجود تنظيم امني سري للحركة، ليعلن ان «ما يسمى بالتنظيم السري بيد القضاء ولا ينبغي التشويش عليه» قبل ان يشدد على ان الحركة رصدت ضغوطا وابتزازا يتعرض له القضاء في هذا الملف.

الانتخابات وأجهزة الدولة
وفسر الامر بانه استهداف للانتخابات وليس فقط للنهضة، اذ يخشى ان يكون التشويش بملف الجهاز السري له غاية من ثلاثة، تاجيل الانتخابات الى اجل غير مسمى، او خوضها في موعدها دون حركة النهضة، وثالثة خوضها وقد تعرضت النهضة لضربات موجعة تفقدها صورتها الراهنة.
لكن الغنوشي وعلى عكس بقية قادة الحركة لم ينف وجود صلة بين مصطفى خضر وعدد من قادة النهضة، بل شدد على ان هذه الصلة هي صلة إنسانية رغم ان خضر ليس من ابناء الحركة. والصلة الإنسانية سمحت لرئيس الحركة بالتشديد على ان خضر ليس مجرما، فقط اهتمامه بما لا يعنيه هو ما ورطه في القضية التي حكم من اجلها بثماني سنوات زمن الترويكا.

الاقتصار على تصريحات راشد الغنوشي والبيانات الصادرة بامضائه من 26 من اكتوبر 2018 يكشف تخبط الحركة في التعامل مع ملف الجهاز السري، ويكشف كيف انتقلت الحركة من نفي كلي الى نفي جزئي، سواء في ملف الجهاز السري او علاقتها بمصطفى خضر.

تخبط كان اشد وضوحا مع علي العريض، المعني المباشر بالملف، فالرجل ومنذ 2 اكتوبر 2018، لم يقم بالفصل بين هجومه الحاد على هيئة الدفاع والجبهة الشعبية وبين نفي علاقته بخضر او نفي وجود الجهاز السري لحركته وأخيرا نفي وجود غرفة سوداء، اتضح لاحقا وفق القضاء انها موجودة.

فمنذ اكتوبر وحده العريض مزج بين الانكار والغضب، وهذا استمر معه الى غاية يوم امس حيث شدد لدى مشاركته في برنامج «البلاد اليوم» على الاذاعة الوطنية، على نفي الجهاز وعلاقته بخضر، لكن هذه المرة مع التشديد على ان «هيئة الدفاع تنصب نفسها على أنها القضاء والمحاماة ومصدر المعلومات في حين أنها تقوم باختراقات لأجهزة الدولة وبصدد التسويق لأكاذيب والقيام بحملة انتخابية سابقة لأوانها بأسلوب غير شريف لأنه ليس لدينا جهاز سري ولسنا في حاجة اليه نحن ضحايا الإرهاب ونحن من قاومناه بفكرنا الإسلامي المعتدل».

في وقت لاحق يوم امس، أعلنت فريدة العبيدي رئيسة المكتب القانوني لحزب حركة النهضة أن الحركة رفعت قضايا على عدد من الأشخاص قالت انهم في علاقة بـ«الافتراءات والأكاذيب التي راجت حول إمتلاك حركة النهضة جهاز سري». مشيرة الى أنه «سيتم الكشف عنهم عندما يتم التحقيق في القضية».
إعلان جاء لينقل تهديد حركة النهضة، الذي كرر على لسان جل قادتها الى ارض الواقع واحداث نوع من الارباك، وهذه قد تكون بداية المرحلة الرابعة التي تسبق المرحلة النهائية وهي مرحلة التقبل والاقرار بما حدث.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115