مع كتابها بالإشادة والتثمين او بالنقاش البناء الذي يعكس مدى احترامي لكتاب وطني وإعلامنا الذي حررته الثورة من قيود الصمت أو التبعية او القمع والاستهداف.
اخترت اليوم ان اعقب على مقال الأستاذ زياد كريشان الذي تعرض فيه بالتحليل لمحاضرتي عن الثورة، خلص منها الى ان الغنوشي سيقدم قرابين لسي الباجي حتى لا ينخرط في الدعاية السوداء حول ما يوصف بالتنظيم السري.
اذا كانت عادتنا تقديم القرابين فلماذا لم نفعل ذلك مع الزعيم بورقيبة رحمه الله؟
ولماذا لم نفعل ذلك مع بن علي ؟
ولماذا بقيت حركة النهضة تقريبا الحزب الوحيد الذي لم يشهد انشقاقات تذكر؟
لقد حاولوا استدراج نهضة الداخل لتقديم قرابين من قيادات الخارج او الداخل وباءت المحاولة بالفشل وكان امام قيادة الخارج تقديم تنازلات لإنقاذ ما يمكن انقاذه . بل لقد توقع البعض ان يكون الغنوشي نفسه قربان المصالحة قبل الثورة ، كل ذلك سفهته حركة مبدئية .
القربان الوحيد الذي قدمته النهضة كان التنازل عن السلطة سنة 2013 لإنقاذ الثورة وتجنيب تونس مصير تجارب الربيع العربي الأخرى .
كنت أتمنى لو كانت القراءة في تحليل ما طرحناه من رؤى لسنة يريدها البعض سنة الصراع على السلطة باستخدام كل الأسلحة وكأن تونس ستستفيد من ذلك وستكون بعد سنة من العراك والخصام أقوى وأقدر على تقليص العجز التجاري والدين الخارجي وتنشيط ثقافة العمل وتحقيق الرفاه المنشود للشعب.
قلت في محاضرتي انه ليس لي طموح شخصي للرئاسة، لأوقف سيل التعاليق والانتظارات التي تريد التأجيج والتأليب ولتاكيد ان النهضة ملتزمة بالحكم التوافقي مهما كانت نتيجة الانتخابات، وأننا متمسكون بالتوافق مع النداء ورئيس الجمهورية ولسنا في وضع انحياز لهذا الطرف ضد ذاك وان دفاعنا عن الاستقرار مرتبط باننا لا نحتاج حكومة جديدة قبل اشهر قليلة من الانتخابات .
قلت في محاضرتي وما تلاها من نقاش ان الثورة نجحت حين تحولت الى انتقال ديمقراطي وستنجح اكثر حين تتحول الى انتقال تنموي وأننا أضعنا كنخبة سياسية وقتا طويلا في خلافات كان الأولى تخصيصه لإنقاذ اقتصادنا وعملتنا الوطنية وان السلم الاجتماعي هام ويتطلب الحفاظ على التوازنات المالية وان المصالحة ضرورية وأننا نحتاج قانون عدالة انتقالية يشجع مرتكبي الانتهاكات على الاعتراف والاعتذار مقابل العفو وجبر الممكن من كسور الضحايا ، لاننا نريد الحقيقة وليس الزج بهؤلاء في السجن . نريد تونس موحدة متضامنة حرة مزدهرة
وقلت اننا واثقون ان رئيس الجمهورية سيكون حريصا على ان تكون مبادرته حول الميراث موحدة للتونسيين والتونسيات ولا اعلم كيف فهم من ذلك اننا بصدد تقديم قربان كبير او صغير له او لغيره.
أطمئنكم باننا لسنا في وضع تقديم القرابين بل مواصلة ترسيخ مقومات الانتقال الديمقراطي واستكمال مؤسسات الجمهورية الثانية ودولة القانون التي يتساوى أمامها الجميع.
وعلاقتنا برئيس الجمهورية مبنية ليس على الخوف والتكلف بل على الاحترام وتقدير دوره ماضيا وحاضرا ومستقبلا في الانتقال الديمقراطي، ولا تحتاج لا قرابين ولا صفقات تحت الطاولة بل حوارا صريحا في إطار توافقنا الذي لم يكن يوما توافقا مغشوشا او انتهازيا.
النهضة ملتزمة بهذا الخيار ونحن ندرك جيدا دورنا في تامين هذا المسار وحمايته من الانتكاس ولو كان ذلك على حساب مصالح حزبنا، وذلك في وضع سياسي يتميز بالتشتت ونقص البرامج والاستراتيجيات وتغليب منطق التهييج والفتنة .
لقد أظهر الاستغلال المقيت لقضية مختلقة من اساسها المخاطر التي تتعرض لها التجربة من الداخل حيث لا حصانة لمواطن يفترض انه بريء حتى تثبت ادانته ولا لقضاء، يفترض انه مستقل، ولا لإدارة ولا لأي جهة امام سلطان المتاجرة بالدماء.
لقد كشفت حملات هيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والحاج البراهمي ان الخطر على الديمقراطية لا يأتي من جهة النهضة التي بذلت كل جهدها لتامين المسار الانتقالي، بل من أطراف تخشى الديمقراطية وحكم الصندوق، بعد أن جربت المنافسة اكثر من مرة دون جدوى، لانها تدرك جيدا ان النهضة انتصرت سنة 2011 و2018 لانها أقنعت الشعب ببرامجها وانتصر النداء سنة 2014 لان التداول هو ميزة الديمقراطية .
لا نستغرب ان يعمد غير الديمقراطيين الى كل الأساليب للتشويش على المسار والتشويه والشيطنة والخديعة وافتعال القضايا المختلقة ولكن ذلك لم يمنع مناضلات النهضة ومناضليها ومعهم كل المناضلين الشرفاء من كل العائلات السياسية لانجاح استحقاقات هذه السنة والذهاب الى عهدة انتخابية جديدة شعارها التنمية لا المزايدات والمهاترات.