المفاوضات الاجتماعية في الوظيفة العمومية: تداخل الالتزامات المالية والسياسية يعطل الإعلان عن الاتفاق

رغم التقدم في المفاوضات بين الطرف الحكومي والنقابي، لايزال الإضراب العام قائما وفق اتحاد الشغل،

الذي يؤكد وجود مساعي ايجابية من قبل الحكومة لحل الأزمة لكنها غير كافية، وما لا يقوله الاتحاد أن الخلاف اليوم يتعلق بموعد انطلاق تنفيذ الاتفاق، ماي 2018 أم أكتوبر من السنة ذاتها، وفق اقتراح الحكومة.
منذ بداية أزمة مفاوضات زيادة الاجور في الوظيفة العمومية لم تقترب الحكومة والاتحاد من الوصول الى اتفاق مرضي للطرفين الا قبل يومين، تاريخ لقاء رئيس الحكومة بالأمين العام للاتحاد.

لقاء جاء لاستكمال النقاش الذي انقطع بين الوفدين الرسميين للطرفين اللذين لم يتوصلا لاتفاق بشان موعد دخول الزيادة حيز التنفيذ، فوفد الاتحاد تمسك بان ينطلق تنفيذها من غرة ماي 2018، باعتبار ان الاتفاق السابق ينتهي في 30 من افريل. تمسك قابله رفض الوفد الحكومي الذي تمسك بان الزيادة تدخل حيز التنفيذ من 1 جانفي الجاري.
عند هذا الحد انتهت النقاشات بين الوفود، اتفاق على ان تكون المفاوضات الجارية متعلقة حصرا بسنة وان يكون سلم الزيادة من 70 الى 90 دينار، بمعدل تقريبي 83 دينار للفرد وقرابة 700 مليون دينار تكلفة جملية. وترحيل النقطة الخلافية الى رئيس الحكومة والأمين العام للاتحاد.
نقطة تطرق لها الشاهد والطبوبي في لقائهما الخميس الفارط، ولم يتمكنا من حلها رغم تقديم الحكومة لمقترح جديد، وهو دخول الزيادة حيز التنفيذ انطلاقا من اكتوبر 2018 لكن هذا قوبل بالرفض على ما يبدو من قبل الاتحاد.

رفض عبر عنه في بلاغ اصدره المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل اكد فيه انه لم يقع الوصول الى اتفاق مع الحكومة بشان ملف المفاوضات الاجتماعية وان الاضراب المقرر في 17 من جانفي الجاري لايزال قائما رغم حرص الاتحاد على عدم تكبيد البلاد خسائر.

بلاغ صدر وقبله التقى الامين العام نور الدين الطبوبي برئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، وعقبه قدم الاول تصريحا قال فيه ان اللقاء استعرض الاوضاع الاجتماعية في البلاد ومستجدات المفاوضات في قطاع الوظيفة العمومية، مؤكدا الدور الرئيسي لرئيس الجمهورية في إيجاد الحلول للخروج من الأزمة وتنقية المناخات الاجتماعية.
هذا التصريح سبقه اخر صباح امس، على هامش ندوة نظمها الاتحاد، قال فيه الامين العام ان لقاءه برئيس الحكومة يوسف الشاهد كشف وجود إرادة من الطرفين للخروج من هذا الوضع وإيجاد الحل المناسب. لكن هذا لن يكون بأي ثمن، في إشارة إلى ان الاتحاد لم يقبل ما قدمته الحكومة.

موقف الاتحاد المعلن في اليومين السابقين، قد يكون وسيلة للضغط اكثر على الحكومة من اجل دفعها لاعتماد موعد 1 ماي 2018 كتاريخ دخول الزيادة حيز التنفيذ، كخطوة اولى لضمان فتح باب المفاوضات الاجتماعية القادمة خلال اشهر معدودة، فانطلاق صرف الزيادة من ماي يعنى اليا ان الاتفاق السنوي ينتهي اجله في 30 افريل 2019.
وهذا بدوره يعني فتح جولة من المفاوضات الجديدة مع حكومة الشاهد لاقرار زيادة جديدة في الاجور بالنسبة للوظيفة العمومية، لتجنب انتظار حكومة ما بعد انتخابات 2019 وما يعنيه هذا من ان المفاوضات ستنطلق في فيفري 2020 في احسن حال، وهذا ما لا يريده الاتحاد.

ما يبحث عنه الاتحاد قد لا يجده لدى حكومة الشاهد التي باتت تتعاطى الان مع الملف من مقاربة سياسية اكثر منها مالية، وان كان هاجس الحفاظ على التوازنات المالية حاضر بقوة، فقبول الحكومة بان تدخل الزيادة حيز التنفيذ من ماي الفارط، فهذا يعني انها ستكون امام حتمية ارتفاع عجز ميزانية 2018، التي تعهدت الحكومة بان تكون 4.9 % وقبول مطلب الاتحاد سيجعلها ترتفع الى حدود 5.3. هذا العجز بدوره قد يمتد ليشمل ميزانية 2019، التي تبحث الحكومة على ان تكون في حدود 3.9 % لكنها قد تصبح قرابة 4.5 ان وقع اعتماد مطلب الاتحاد.

هذه التبعات المالية، ليست هي فقط التي تجعل حكومة الشاهد مصرة على ان يكون اكتوبر موعد دخول الزيادة حيز التنفيذ، بل الجانب السياسي. فالرجل لا يريد ان يقحم نفسه وحكومته من خلفه في جولة مفاوضات جديدة خلال اشهر، وما قد يترتب عنها من تداعيات سياسية. جولة ان انطلقت فسيتزامن موعدها مع انطلاق اولى مراحل الانتخابات القادمة، وهذا يعنى ان الشاهد سيجد نفسه، وهو الطامح لقيادة مشروع سياسي، محاصرا من الاتحاد وخصومه السياسيين.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115