لا تنفصل عمّا سبقها او يتبعها، والغاية تحقيق الفوز، وفق إستراتيجية يكشف عنها منذ نقلة الافتتاحية، وان اعتبرنا الساحة السياسية الراهنة لوح شطرنج سيتسنى إدارك «استراتيجية» النداء والرئاسة في المواجهة المفتوحة مع حركة النهضة ومن خلفها الشاهد.
طوال الأسبوع الفارط، لم يكن على السنة الفاعلين في رئاسة الجمهورية وحركة نداء تونس، الا ثلاث كلمات تتكرر بنمط معين مع اختلاف الترتيب والسياق، وهي «الانقلاب» في إشارة لانقلاب النهضة والشاهد على الرئاسة والنداء وافتكاك الحكم، مصطلح كان اول من أعلن عنه بشكل مباشر الأمين العام الجديد لنداء تونس سليم الرياحي.
الرياحي وهو يكشف ما اعتبره «انقلابا»، قدم روايتين، ففي الأولى كان الانقلاب ناعما و «عنيد»، قام به الشاهد بالاستعانة بالنهضة ليفتك الحكم من الحزب والرئيس، قبل ان يقدم في الأيام الفارطة رواية جديدة تنقل الانقلاب من خانة الناعم إلى العسكري والأمني.
فالرياحي قال ان مخطط الانقلاب كان ينصّ على أنه في صورة تعثر نجاحه بسلاسة يتم اللجوء إلى أطراف حاملة للسلاح، التي قال أن «أطرافا متعددة منها المغرّر بها ومنها المتعاونة « قال إنها «تعمل بعقلية عصابات في السلطة تورّطت في مخطّط الانقلاب»، قبل ان ينقل الأمر للقضاء العسكري بتقديمه لشكاية ضد الشاهد وأربعة آخرين.
شكاية تتعامل معها رئاسة الجمهورية بطريقتين، ففي الخطاب الرسمي هي تتابع التطورات ولا يمكنها التأكيد او النفي كما لا يمكنها التحكم في ما يقوله السياسيون، ولكن في جانب آخر وبشكل غير مباشر تؤكد وجود مخطط انقلاب على لسان المستشار السياسي نور الدين بن تيشة الذي لمح يوم السبت الفارط في برنامج «zone franche» على إذاعة «اكسبراس أف أم»، إلى ذلك مستعملا جملا من قبيل ان «الرياحي قدم قضية ولديه أمور (وثائق) ملموسة» ....«القضية لدى القضاء العسكري ولدينا ثقة فيه لأنه مستقل وسيكشف الحقيقة».
المصطلح الثاني هو الجهاز السري لحركة النهضة، الذي كشفت عن وجوده وثائق قدمتها هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي منذ أكتوبر الفارط، جهاز أكد رئيس الجمهورية انه لم يعد سريا فالجميع علم به وتعهد بكشف الحقيقة عبر المحاكم، قبل ان يكلف مستشاره العسكري بتتبع الملف، اثر ذلك بيوم أعاد نداء تونس استعمال الجملة في حديثه عن الجهاز السري لحركة النهضة، واعتبر أن القضاء هو من سيكشف الحقيقة.
المصطلح الثالث «المساواة في الميراث»، وهو حكر لحد الساعة على نداء تونس، الذي نظم ندوة للحديث عن المبادرة التي صادق عليها المجلس الوزاري وأحيلت للبرلمان، الذي شدد النداء على انه سيصادق بنعم على إقرار المساواة كمبدإ في الميراث.
هذا الثالوث هو ابرز قطع الرئاسة والنداء في مهاجمة خصميهما، المباشر حركة النهضة، وغير المباشر يوسف الشاهد ومشروعه السياسي، ولكن هذا الثالوث أيضا يهدف لتجميع القوى السياسية والشخصيات من الوسط والوسط الاجتماعي بهدف تشكيل جبهة سياسية وانتخابية لاحقة.
فرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، المخطط الرئيسي للنداء، يريد خلق مناخ سياسي يقسم الساحة لجزأين، جزء مع المساواة وضد الانقلاب ومع محاسبة النهضة على جهازها السري، وجزء ضد المساواة ومع الانقلاب وعدم محاسبة النهضة. بهذا الاختزال يرى الرئيس أن الفاعلين السياسيين في الساحة سيكونون مجبرين على الاصطفاف خلف احد الأطراف، هو أو النهضة.
لكن هذا لن يكون كافيا وهو ما يدركه الرئيس، لذلك فقد حرص على ان تنطلق لقاءاته بالفاعلين السياسيين وقادة الأحزاب المرجو انضمامها للجبهة المرتقبة، ومنها البديل التونسي الذي التقى برئيسه المهدي جمعة في 28 من نوفمبر الفارط، ويبدو انه سيواصل اللقاءات مع عدد آخر من رؤساء الاحزاب. لقاءات هدفها طرح فكرة الجبهة والاتفاق الاولي مع القابلين بالالتحاق بها.
جبهة سيكون النداء نواتها، رغم الفرضيات غير السارة التي تنتظره، فالأمين العام للحركة الذي رفع قضية لدى القضاء العسكري بالشاهد يتهمه بالتخطيط لانقلاب، قد يجد نفسه محل تتبع ان فشل في اثبات اتهامه، خاصة وانه أقحم العسكر في الانقلاب.