وزير الخارجية خميس الجهيناوي في حوار خاص لـ «المغرب»: يجب أن يكون هناك حوار وطني يحافظ على استقرار تونس

• تونس ستخرج قريبا من القائمة الرمادية للدول غير المتعاونة في المجال الجبائي

قال وزير الخارجية خميس الجهيناوي ان التحدي الأبرز اليوم أمام الدبلوماسية التونسية هو تعزيز مكانة تونس ودورها على الساحتين الإقليمية والدولية . وأضاف في حديث خاص لـ «المغرب» أن تونس مقبلة على استحقاقات كبرى ومواعيد هامة تعمل على الإعداد الجيد لها من أهمها القمة العربية والترشح لمنصب عضو غير دائم في مجلس الامن الدولي.
وأكد أن الوضع الداخلي في تونس يؤثر بشكل مباشر في السياسة الخارجية التونسية وفي صورة تونس لدى الرأي العام الدولي مشيرا إلى أن هناك اهتماما دوليا خاصا بما يجري في بلادنا بالنظر إلى تفرّد تجربتها الديمقراطية وأهميتها. وبخصوص الإضراب العام في قطاع الوظيفة العمومية الذي شهدته البلاد أمس الخميس أكد وزير الشؤون الخارجية على أهمية وجود حوار وطني يحافظ على استقرار تونس في ظل التحديات الراهنة.

• بداية برأيكم هل انتهت الأزمة السياسية في تونس بعد التحويرات الوزارية الأخيرة ام أن ازمة الحكم تعمقت اكثر؟ وما انعكاسات ما يحصل على صورة تونس في الخارج؟
حقيقة هناك ارتباط عضوي بين السياستين الداخلية والخارجية، اذ لا يمكن ان تكون السياسة الخارجية بمنأى عما يجري في الداخل. بلادنا تمر بتجربة انتقال ديمقراطي فريدة تستقطب اهتمام العالم . وبالتالي فالرأي العام الدولي يرسم صورة تونس من خلال أوضاعها الداخلية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية ودورنا كوزارة شؤون خارجية هو أن نطلع الرأي العام الأجنبي والمسؤولين الأجانب على حقيقة الأوضاع وأن نطمئن أصدقاء تونس وشركاءها بان ما يجري على الساحة التونسية لا يؤثر لا في استقرار البلاد ولا في سياستها الخارجية القائمة على جملة من الثوابت ، وان نؤكد لهم أن تونس تظل شريكا أساسيا يعتمد عليه في العلاقات الدولية ..

• بعد تنفيذ الاتحاد العام التونسي للشغل اضرابا عاما في قطاع الوظيفة العمومية احتجاجا على تدهور مستوى معيشة المواطن التونسي، الى اين ستصل برأيكم هذه الازمة وهل تتوقعون ان يكون شهر جانفي ساخنا بالاحتجاجات ؟
حق الإضراب في تونس مكفول بالدستور والقانون، ومن حق اتحاد الشغل أن يعبر عن عدم رضاه عن سياسات الحكومة، ولكن الأهم من ذلك أن يكون هناك حوار وطني بين كل الأطراف الوطنية للمحافظة على استقرار تونس وعلى نسق الإصلاحات ونسق التنمية التي تسعى الحكومة الحالية إلى تحقيقها. وبالتالي تحركات الفاعلين الاجتماعيين تعد أمرا طبيعيا في سياق النشاط النقابي والحراك الاجتماعي، طالما أن ذلك يتم في إطار القانون ويراعي الوضع الخاص الذي تمر به البلاد والتحديات التي تواجهها على كل المستويات. فتونس اليوم هي أحوج ما تكون إلى الاستقرار حتى تستعيد مكانتها على خارطة الاستثمار الدولي و كوجهة سياحية جاذبة، وعلى مصداقيتها لدى الأطراف الدولية.

• يشهد الملف الليبي منافسة غربية خاصة منها الإيطالية والفرنسية تجلت بمؤتمري باريس وباليرمو وشاركت تونس في المؤتمرين ، فهل ان هذه المنافسة ستعرقل الحل في الملف الليبي وأين هي تونس اليوم؟
استقرار الأوضاع في ليبيا أمر حيوي بالنسبة لتونس، ورئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي يؤكد في كل المناسبات أن ما يجري في هذا البلد الشقيق له تأثير مباشر على الأوضاع في تونس وعلى نجاح مسارها الانتقالي على المستويين السياسي والاقتصادي. و من الطبيعي إذن أن تبذل تونس كل جهودها لمساعدة الليبيين على انتهاج الحوار والتفاوض للتوصل إلى حلّ سلمي توافقي شامل للأزمة في بلادهم .

وأود أن أذكر في هذا السياق بأن رئيس الجمهورية كان أطلق منذ ديسمبر من عام 2016 مبادرة حول ليبيا. هذه المبادرة تحولت إلى مبادرة ثلاثية تضم كلا من تونس والجزائر ومصر بعد توقيع وزراء خارجية الدول الثلاث في فيفري 2017 على «إعلان تونس للتسوية السياسية الشاملة في ليبيا». وتلت هذا الإعلان أربعة اجتماعات على مستوى وزراء الخارجية، وسيكون لهم قريبا اجتماع آخر في القاهرة لمواصلة تنسيق مواقف الدول الثلاث بخصوص هذا الملف .

تونس كانت حاضرة يوم 29 ماي المنقضي في باريس حول ليبيا وفي اجتماع باليرمو منذ ايام وستكون أيضا حاضرة يوم 29 من الشهر الجاري في اجتماع لدول الجوار الليبي في العاصمة السودانية الخرطوم. وهذا دليل على حرصنا واهتمامنا بضرورة مساندة كل الجهود الساعية إلى إنقاذ ليبيا من أزمتها الحالية. ولكن رغم أهمية هذه الاجتماعات فإنه لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تعوض الدور المنوط بعهدة اليبيين أنفسهم. فدور كل دول الجوار والأطراف الدولية مهم، بما في ذلك فرنسا وايطاليا وغيرها، ولكن اذا لم تكن هناك رغبة واستعداد من مختلف الفرقاء الليبيين لتجاوز خلافاتهم، لا يمكن للمجموعة الدولية ان تحل محلهم. وهذا ما قاله رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي صراحة في باريس واعاد تأكيده منذ ايام في باليرمو. تونس تقف على نفس المسافة من كل الليبيين ولا يمكن ان نساند طرفا ضد طرف آخر وهي تستضيف كل الليبيين مهما كانت مشاربهم باستثناء الضالعين في الإرهاب. واعتبر ان دورنا يتمثل في محاولة التوفيق بينهم ومساعدتهم على إنهاء معاناة الشعب الليبي.

• افريقيا ، اين وصل التعاون التونسي الافريقي خصوصا اننا لاحظنا حراكا دبلوماسيا لافتا تجاه العمق الافريقي ، فما الجديد خصوصا فيما يتعلق بالمشروع الالماني لصنع شراكة مع الدول الافريقية (compact with africa) واين دور تونس تحديدا؟
السياسة التونسية تجاه افريقيا هي جزء اساسي من السياسة الخارجية التونسية ولاحظتم تسجيل حركية غير مسبوقة تجاه القارة من خلال دعم انتشارنا الدبلوماسي وفتح سفارتين جديدتين بالإضافة إلى افتتاح مكتبين تجاريين بكل من دوالا (الكامرون) وكنشاسا (جمهورية الكنغو الديمقراطية) في 2018 ويجري حاليا إعداد الترتيبات النهائية لفتح ممثليتين تجاريتين في كل من لاغوس نيجيريا، والعاصمة الكينية نيروبي.

وأصبحت تونس في شهر جوان 2017 عضوا ملاحظا في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (CEDEAO)، كما وقعت في جويلية 2018على اتفاقية الانضمام إلى السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا (COMESA). و في مارس 2018 في العاصمة الرواندية كيغالي على اتفاقية المنطقة القارية الإفريقية للتبادل الحر.
ولقد حرصنا على دعم نسق تبادل الزيارات على مستوى كبار المسؤولين التونسيين في العديد من البلدان الإفريقية ووقعنا على أكثر من 40 اتفاقية ومذكرة تعاون مع الدول الافريقية.

كما استقبلت تونس خلال سنة 2018، أكثر من ثلاثين وزيرا من مختلف الدول الإفريقية يُمثلون جميع المجالات، وذلك في إطار التعاون الثنائي أو للمشاركة في التظاهرات الاقتصادية ومنتديات التعاون .

وقد شهدت الستة أشهر الأولى من سنة 2018 تطورا في المبادلات التجارية بين تونس ودول إفريقيا جنوب الصحراء حيث تم تسجيل مبلغ 545 مليون دينار كصادرات تونسية نحو هذه الدول بزيادة حوالي 177 مليون دينار مقارنة بنفس الفترة من سنة 2017. كما حصلت تونس على دعم ألمانيا للإصلاحات الكبرى في بلادنا بمبلغ يناهز 500 مليون أورو في

إطار آلية التعاون لمجموعة بلدان السبعة الكبرى ومجموعة العشرين G7- G20 مع إفريقيا Compact with Africa

• فيما يتعلق بالعلاقات مع الشريك الاوروبي ، تونس هذه الديمقراطية الناشئة بحاجة الى دعم الاوروبين في مسارها الصعب ولكن يلاحظ ان هناك نوعا من العقاب لتونس من خلال وضعها في قائمات سوداء وقائمات رمادية تخص تبييض الاموال والجنات الضريبية وغيرها فماذا تقولون ومتى سيقع حذف بلادنا بالكامل من هذه القائمات ؟
بمبادرة من وزارة الخارجية تم إحداث آلية متابعة وإنذار تمكن من تعزيز التواصل بين تونس والاتحاد الأوروبي للتوقي من أية قرارات أو إجراءات أحادية من قبيل القائمات السوداء. مع العلم أنّه من المتوقع إخراج بلادنا قريبا من القائمة الرمادية للدول غير المتعاونة في المجال الجبائي في موفى هذه السنة أو بداية السنة المقبلة بعد تقييم الإجراءات الجديدة التي اتخذتها الحكومة في مجال الحوكمة الجبائية. تونس مدرجة في قائمة ما يسمى «الدول ذات المخاطر العالية في مجال تبييض الأموال وتمويل الإرهاب» وقد قمنا بخطوات كبيرة وعملاقة لتلبية الشروط القانونية والتشريعية التي طالبتنا بها المجموعة الدولية للعمل بخصوص تنقيح قانون الارهاب، وبخصوص دعم عمل لجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي حتى تقوم بدورها في مراقبة التحويلات المالية الهادفة إلى تمويل الإرهاب وغيرها من الإجراءات. واذا لبينا كل هذه الشروط سنقوم بدعوة المجموعة الدولية للعمل المالي لمراقبة كل هذه القائمات قبل نهاية السنة الجارية .

• ما هو موقف تونس من قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي والتي اصبحت قضية راي عام غربي؟ وكيف تنظرون الى الاوضاع الاخيرة على الساحة السعودية؟
لقد أكدنا بتاريخ 22 أكتوبر 2018 بصورة واضحة وصريحة إدانة تونس -كبلد ديمقراطي- الكاملة لهذه الجريمة الشنيعة، لكننا شددنا في المقابل على عدم استغلالها لاستهداف أمن المملكة العربية السعودية واستقرارها ومكانتها على الساحتين العربية والدولية.
ونحن نعتبر أن التفاعل الإيجابي للسلطات السعودية مع المطالب الدولية بالتحقيق في هذه الجريمة ومبادرتها بإيقاف عدد من المشتبه بضلوعهم فيها على ذمة التحقيق وإقالة عدد من كبار المسؤولين في مجالي الأمن والاستخبارات بالإضافة إلى ما اتخذه النائب العام السعودي من قرارات في شأن المشتبه بهم في هذه الجريمة، أمر يؤكد حرص خادم الحرمين الشريفين على تتبع المورطين ومحاسبتهم، وجدية السلطات القضائية السعودية في التعامل مع هذا الملف .

ونحن نؤكد مجددا على أهمية الابتعاد عن التوظيف السياسي لهذا الملف الذي تعهد به القضاء، لعدم المساس باستقرار المملكة العربية السعودية اعتبارا لمكانة هذا البلد الشقيق ودوره المحوري والتاريخي في المنطقة العربية وفي العالم بأسره .

• كيف تقيمون حصيلة الدبلوماسية التونسية خلال عام وما ابرز التحديات القادمة؟
التحدي الأبرز اليوم في تونس هو كيف نمكن بلادنا من استعادة مكانتها على الساحتين الاقليمية والدولية .
و تسجل تونس خلال الآونة الاخيرة حركية غير مسبوقة وتطورا كبيرا في نسق وفود الزوار والمسؤولين الأجانب.
تونس عادت إلى مكانتها الطبيعية كدولة جامعة لكل العرب مهما كانت مشاربهم واختلافاتهم. وستحتضن بعد بضعة اشهر أشغال القمة العربية وتتهيأ ايضا لأن تكون عضوا غير قار في مجلس الامن في سنة 2020 وبدأنا العمل من اجل الحصول على اكثر ما يمكن من الاصوات خلال الانتخابات التي ستجري خلال جوان القادم. كما أنها ستتحتضن أكبر تظاهرة عالمية منذ الاستقلال بمناسبة انعقاد القمة الـ18 للفرنكوفونية.

كما تلاحظون أيضا فإن رئيس الجمهورية حاضر في كل القمم والتظاهرات الدولية الكبرى على غرار قمم الدول السبع الأكثر تصنيعا وقمم مجموعة العشرين وهي ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ تونس ورئيس الجمهورية ويحظى باحترام كبير عربيا ودوليا. والدبلوماسية تعمل على مساعدة تونس على إنجاح الانتقال الاقتصادي وتعبئة اكثر ما يمكن من الموراد من اجل مجابهة التحديات الاقتصادية والتنموية والأمنية الراهنة. موضوع الشباب وخاصة منهم حاملو الشهائد العليا يعد بندا أساسيا وقارا في مباحثاتنا مع مختلف الأطراف الدولية خاصة فيما يتعلق بالتكوين و المنح الجامعية ومساعدتهم على خلق مشاريع صغرى لإدماجهم في سوق الشغل وفتح الآفاق أمامهم داخل الفضاء الأوروبي من خلال إبرام اتفاقيات ثنائية حول الهجرة المنظمة.

وهذا عمل دؤوب ويومي تقوم به الدبلوماسية التونسية سواء على مستوى الإدارة المركزية او من خلال سفاراتنا في الخارج كما ان جزءا كبيرا من حراكنا الدبلوماسي يتمحور أيضا حول كيفية العمل على مكافحة الإرهاب وتأمين بلادنا من هذه المخاطر.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115