تحدثت كل واحدة منهما عن حكومة خلف الستار، الأولى كانت من قبل رئيس الجمهورية وتعلقت بحكومة من الداخل والثانية من قبل الأمين العام لاتحاد الشغل وتعلقت بحكومة من الخارج.
«تونسة» المفاهيم في السياسة طالما اقترنت باختزال مفهوم او الية في جزء وحيد منها وخاصة في جانبها السلبي، لنجد مفهوما خاصا في تونس عن جماعات الضغط او ما تعرف به اصطلاحا «باللوبيات»، ونجد أيضا مفهوما مختلفا لـ«حكومة الظلّ» التي اتهمها رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي خلال ندوة صحفية عقدها بقصر قرطاج، بالسعي إلى نزع الثقة منه.
هذان المصطلحان، والأدق مسميان لآليتين تستعملان في الديمقراطيات الغربية اساسا، حينما وقعت عملية تونستهما انحرف المفهوم بـ180 درجة، فما نطلق عليه «لوبيات» اختزل في شبكات غير رسمية تنشط لتأثير على صناع القرار اما عبر المال او الضغط.
مفهوم تونسي لجماعات الضغط التي عرفت إعلاميا بمصطلح «اللوبي» في الولايات المتحدة الأمريكية، نسبة الى بهو الكونغرس الأمريكي، الذي اختار اين يمكن أي قطاع من التسويق لمواقفه والبحث عن «مناصرتها» لدى النواب، وأي قطاع تشمل الشركات والمنظمات والجمعيات والأفراد.
ومن اجل هذا احدث الية لتنظيم عمل جماعات الضغط وتقديم اهدافها للراي العام، الذي يعرّفها على انها هيئة او جماعة قانونية منظمة تدافع عن قضايا او مواقف او مصالح معينة محددة لدى السلطات العامة، وتسعى للتاثير على قرار السلطات ليتوافق مع ما تدعو له.هذا هو التعريف المعتمد لـ«جماعات الضغط» في الغرب ينظر اليها على انها احدى اليات الديمقراطية رغم اقرارهم بان هذه الآلية ليست مثالية، وان لها عيوبا وشوائب.
في تونس يختلف الأمر تماما مثل مفهوم «حكومة الظلّ» التي تعرف على انها حكومة برلمانية غير مُتواجدة على المسار التنفيذيّ للبلاد، ودون قوّة فعليّة، تتشكل من قِبَل المعارضة، و فقط في بريطانيا تكون حكومة الظّل جهازا دستوريّا أو مُؤسّسة برلمانيّة يرأسها زعيم المُعارضة، والذي يُعتبر مسؤولا حكوميّا ويتقاضى مُخصّصات حكوميّة سنويّة.
وعلى غرار بريطانيا نجد اليابان واستراليا وبولندا وعددا من الدول قننت مفهوم حكومة الظل، وجعلته بمثابة حكومة «مناهضة» للحكومة التنفيذية لها القدرة على ادارة البلاد في حال تطلب الامر ذلك، ولكن وظيفتها الاساسية تقييم خيارات الحكومة وسياستها وتقديم بدائل عنها.
هذا نظريا لكن في تونس اختلف الامر، وهو ما لمح اليه رئيس الجمهورية من وجود حكومة ظل تسعى الى عزله من منصبه، كان مقصده منه المجموعة المحيطة برئيس الحكومة يوسف الشاهد، من خارج الحكومة اساسا، الذين طالما اعتبرهم سبب تمرد الشاهد عليه وعلى النداء.
هذه المجموعة التي وصفها الرئيس بـ»حكومة الظل» تضم في تركيبتها بالاساس المهدي بن غربية الوزير السابق، واياد الدهماني الناطق باسم رئاسة الحكومة ومجموعة من أصدقاء الشاهد، أي ان مفهوم حكومة الظل هنا مفاده المجموعة المصغرة المحيطة بالشاهد التي تقدم له النصح والمشاورة في ادارة الملفات خاصة «السياسية» والتي يمكن ان تعرف على انها «الكابينت» وليس حكومة ظل.
الاشارة الثانية وكانت من الامين العام لاتحاد الشغل وجاء فيها حرفيا، «هناك حكومة ظل خارج الحدود تدير البلاد التونسية وهي التي تتخذ القرارات وتعطي التعليمات ويجب على الشعب التصدي والدفاع عن السيادة الوطنية ..»، وهنا مقصد الطبوبي هو «صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية والدول المانحة باعتبارها تضغط على الحكومة لتنفيذ سياسات نقدية ومالية محددة.
في الاشارتين السابقتين او في غيرهما من الاشارات التي تتحدث عن «انقلاب» و«حكومة ظل» وغيرها من المصطلحات السياسية نجد ان «تونستها» تعني المبالغة اللغوية التي قد لا تمثل اشكالا، سوى ارباك المشهد والشارع الذي سيعيد انتاج المفهومين بطريقته الخاصة ويجعل منهما مادة لقصص تروى.