موجة من الرفض والطعن والتوجه للقضاء لمنع الطرابلسي من تسلم منصبه، والحجة الأساسية «انه يهودي» يشك في ولائه لتونس.
مساء الاثنين الفارط قدم رئيس الحكومة يوسف الشاهد تركيبة تحويره الوزاري المنتظر المصادقة عليه الأسبوع القادم، تحوير اثار الكثير من الجدل، بعضه بشان دستوريته، البعض الأخر تعلق بالعلاقة بين الشاهد وقائد السبسي.
جدل حجب لخمسة أيام نقطة كانت لتكون هي الأهم، وهي التعليقات على تعيين رجل الأعمال التونسي روني الطرابلسي وزيرا للسياحة، مواقف تناقضت لكنها اجتمعت عند معطى واحد وهو ديانة روني.
كأن الديانة هي أهم ما يجب ان يتوفر في سيرة الوزير، فالطرابلسي اقترن تقديمه مع التشديد على انه ثالث تونسي من معتنقي الديانة اليهودية، يتقلد منصب وزير، بعد كلّ من من البيرت بسيس سنة 1955، واندريه باروش سنة 1956. اشارة هدف منها «خير» مثل الاشارة الى ان روني من المدافعين الأشداء عن التعايش السلمي بين اليهود والمسلمين في تونس.
اشارة اتخذت من تعيين روني «رمزية» للتعايش السلمي بين المسلمين واليهود في تونس، واعتبرت انتصار للدولة المدنية التي اختارت وزيرا من ديانة ليست ديانة الاغلبية، حيث ان الدين هنا حتى لدى من دعموا تعين المواطن التونسي روني الطرابلسي عنصر حاضر وبقوة.
الحال ذاته لمن يعترض على التعيين، فوزير السياحة الجديد قوبل بحملة ترفض ان يتقلد منصب الوزارة مستندة لشبهة في ولائه لتونس، فهو وفق منطق الحملة يهودي اسرائيلي وولاؤه لها وليس لتونس، لذلك فهو ليس مواطنا نموذجيا.
لهذا قدمت الهيئة الوطنية لدعم المقاومة العربية ومناهضة التطبيع والصهيونية، قضية استعجالية لدى المحكمة الإدارية يوم الخميس الفارط ضد تعيين روني الطرابلسي وزيرا للسياحة، مطالبة اتحاد الشغل بالانخراط في «معركة الوزير» التي هي احدى محطات المعركة ضد الصهيونية فالحجة على رفض تعيين الطرابلسي انه «صهيوني يحمل الجنسية الاسرائيلية» والقبول بتعيينه وزيرا هو تطبيع صريح، مع ربط الامر بوجود شبهة تضارب مصالح بسبب نشاطه في السياحة.
حجج من طالب بمنع تعيين روني الطرابلسي، دفعت الرجل للخروج والاعلان عن انه تونسي فقط، لا يحمل اية جنسية أخرى، ظنا منه ان هذا سينهى الجدل على تعيينه، لكن هذا لم يكن كافيا لجزء من التونسيين.
فالاسباب التي قدمها من يرفضون تقلد الطرابلسي لمنصبه، تسوق على انها يصعب الاعتراض عليها، بل قد يوسم من يعترض عليها بـ»الخيانة»، فأمام منطق الحمية والمقاومة من يقف ليقول ان الرفض سببه «عنصري» سيكون «صهيونيا».
بث الخوف من الوسم دفع البعض للتناسي انه من حق الطرابلسي تقلد منصب وزير، فهو مواطن تونسي، والمواطنة لا تنتقص بتدين الفرد بغير دين الاغلبية، فالمواطنة تقوم على حقوق وواجبات وفق المنطق القانوني وتقوم على الحرية والمسؤولية وفق المنطق الفلسفي. وفي كلى المنطقين يكون الدين شأنا خاصا لا عاما، الا في حالة وحيدة للأسف نص عليها الدستور وهي رئاسة الجمهورية.
لكننا اليوم في تونس ورغم ما يعلنه البعض من تبني قيم المواطنة والمبادئ الكبرى، لا نزال «عنصريين» فنحن نميز بين المواطنين وفق دينهم، كما في حالة الطربلسي، الذي يقدم على انه يهودي تونسي، بتسبيق للخاص على العام، اي الدين على الانتماء الوطني.
تقديم الدين في تعريف الطرابلسي ، بوعي او دونه، هو بمثابة اعلان عن انه ليس من الاغلبية، اغلبية حددت ملامحها، عربي مسلم سني، من خرج عنها كان من الاقلية التي تعامل بتميز معلن ومبطن.
تمييز يعارضه الدستور ولكن ممارستنا اليومية تقرّه بشكل مخجل، وما حالة الطرابلسي الا واحدة من مئات الحالات التي تقع، سواء على من يحملون ديانة غير الاسلام، او من لهم لون بشرة غير «البيضاء» او من لهم لسان غير العربي، كل هؤلاء هم «أقلية»، يمكن ان يمنحوا حقوقا ادنى من حقوق الاغلبية. والاغلبية تتغير وفق الموضوع، دين، جهة، لسان، لون، جنس، ميول جنسي وغيره.
اقلية يقع «احتقارها» واعتبارها دون مرتبة الاغلبية، في اسقاط لفلسفة الدستور وروح المواطنة، جميعنا سواسية لا أفضلية لأحدنا على الأخر، ولا معنى لأصوات ترتفع لتحول دون حق لصاحبه، او تلك التي تعتبر الحق، منة يجب التنويه بها.
روني الطرابلسي المواطن التونسي اب عن جد، ديانته شأن خاص به لا يجب ان تكون هي من يعرفه ويحدد واجباته وحقوقه في بلاده، والامر ذاته لكل تونسي.