الذي خرج ليعلن بشكل مباشر وصريح امس، عبر اعلان رئاسة الجمهورية عن عدم موافقته على التحوير الوزاري.
لأكثر من شهر كان الحديث عن التحوير الوزاري هو الخبز اليومي لمتابعي الشأن العام في تونس، في ظلّ تجاذبات سياسية دفعت برئيس الجمهورية إلى الإعراب عن مخاوفه من أن لا يقع التحوير وانه سيقدم موقفه منه حينما يعرض عليه.
تجاذبات شملت أيضا حركة نداء تونس التي أعلنت عن اعتراضها على التحوير الوزاري بل أنها جعلت منه «عملية انقلاب على الشرعية» لن تسمح بها، كل هذه الظروف جعلت من التحوير حدثا هاما في المشهد السياسي الراهن.
وهو ما جعل الجميع يوم أمس يترقب موعد خروج رئيس الحكومة ليعلن عن تحويره، خاصة وان المقربين منه أعلنوا أن التحوير سيكون خلال ساعات بعد لقاء الشاهد بالباجي قائد السبسي. هو ما تم ليعلن في حدود الساعة الثامنة من مساء أمس عن التحوير. دقائق بعد أعلنت رئاسة الجمهورية عن موقفها هي الأخرى من التحوير، (انظر مؤطر سعيدة قراش) واختزلته في رفض طريقة القيام به، التي اعتبرتها بمثابة «فرض أمر واقع».
موقف الرئاسة الذي صيغ بالكلمة وعبر عنه دقائق اثر التحوير، يبدو انه يحمل رسالة موجهة بشكل صريح الى النواب المقربين منه في كتل عدة اكثر من كونه موجها الى كتلة نداء تونس، والرسالة هي عدم المصادقة عليه في جلسة التصويت.
موقف سياسي اكثر منه دستور، باعتبار ان الدستور لا يمكن الرئيس من صلاحية رفض التحوير او اسقاطه، اذ يقتصر دوره في التحوير وفق الدستور على استشارته والاستئناس برأيه بشأن وزيري الدفاع والخارجية، عدا ذاك الامر مناط بيد رئيس الحكومة.لهذا فقد حرصت رئاسة الجمهورية على استعمال مفردات محددة، «غير موافق»، «لم يقع التشاور»، «سياسة فرض امر الواقع»، دون نفي لعلمها المسبق بالتحوير والاسماء التي يتضمنها.
هنا قبل البحث عن أسباب عدم الموافقة وجب العودة للتحوير وحيثياته خاصة التوازنات صلبه، فالتحوير حمل معطيات هامة، مشاركة مباشرة من قبل المشروع، دخول حزب المبادرة بثقه، عبر رئيسه كمال مرجان في الحكومة، الإبقاء على وزراء مستقلين او من احزاب سابقة، وحتى في حالة وزيري افاق تونس فاحدهما طلب المغادرة، وهو المؤخر والثاني رفض تقلد حقيبة اقترحت عليه.
اي ان الشاهد عمل على ان لا يمس مقص التحوير من يرى فيهم انصارا محتملين له في مشروعه السياسي، سواء بشكل مباشر او غيره، كما حرص على ان يظل وزراء نداء تونس في الحكومة، بل عمل على رفع عددهم مقابل التخفيض في عدد وزراء حركة النهضة.
توازنات دقيقة لا تتعلق بالعدد بقدر ما تتعلق بالمعنى السياسي لها، فإعفاء عماد الحمامي من وزارة الصحة وهو القيادي النهضوي المدعوم، لها هدف محدد وهو نفي تهمة «حكومة النهضة» او تقديمه رئيسها في شكل «البيدق» بيدها. من جانب اخر دعم عدد وزراء النداء في الحكومة يضع النداء وقادته في حرج سياسي، فلاهم قادرون على تسويق التحوير كانقلاب تقوده النهضة، ولاهم قادرون على طرد وزرائهم في الوقت الراهن لتجنب تصدعات جديدة في الحزب. التوازنات الأخرى تتعلق بمشروع تونس، وحزب المبادرة وحزب المسار وكتلة الائتلاف الوطني، جميع هؤلاء حرص الشاهد على ان يكونوا ممثلين في حكومته بشكل، ليحسن تسويقها كحكومة ائتلافية، تحظى بدعم أغلبية برلمانية مريحة تسمح لها بالمرور في جلسة منح الثقة، وهذا سيعيد رسم الخارطة البرلمانية.
خارطة يريد الرئيس ان يكون مساهما في صياغتها بدوره، مثل رغبته في ان يستعيد زمام المبادرة السياسية، وهو ما عبر عنه موقفه من التحوير، فبعيدا عن المصطلاحات الدقيقة التي استخدمت، أعلن الرئيس بشكل صريح على انه ضد التحوير الوزاري. موقف بمنطق السياسة هو «مباشر» بعد ان كان طوال الأسابيع الأخيرة يتجنب ذلك.
والقصد من هذا الدخول الصريح في معامع حرب الـ109 هو البحث عن إخلال التوازنات التي بني عليها التحوير، أي أن الرئاسة ترغب من خلال إعلانها عن موقفها الرافض ان تحشد خفلها، أولا نداء تونس وكتلته، ومن خلفهم وزراء النداء الحاليين في الحكومة، فهم ان قبلوا التحوير كمن يعصي الرئيس ويتمرد عليه.
صورة يريد الرئيس من خلالها خلط حسابات الشاهد في البرلمان والحكومة، وايضا البروز كمبادر أساسي في المشهد الذي لا يقبل ان يقع اقصاءه منه. صورة ستتعزز خلال الساعات القادمة بمواقف وخطوات ستعلن عن «المعركة الكبرى» بين الباجي قائد السبسي ويوسف الشاهد.
الرئيس علم بالتحوير
يوم أمس التقى رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي برئيس الحكومة يوسف الشاهد، ووفق ما نشر على الصفحتين الرسميتين التابعتين لهما، فقد اكتفيا بالإعلان ان اللقاء خصص لتناول الوضع العام بالبلاد.
وهذا النصف الأول من مضمون اللقاء، المعلن عنه، اما الثاني الذي لم يصرح به رسميا فتمثل في عرض الشاهد على الرئيس لملامح تحويره الوزاري، قبل ان يبلغه لاحقا من القصبة بتفاصيل التحوير الوزاري والأسماء الواردة فيه. قبل ان يوجه مراسلة رسمية الى رئاسة الجمهورية تتعلق بالتحوير ومثلها الى مجلس النواب.
سعيدة قراش الناطق الرسمي باسم الرئاسة
رئيس الجمهورية غير موافق على تمشي التحوير
أكدت المتحدثة الرسمية باسم رئاسة الجمهورية سعيدة قراش في تصريح لـ«المغرب» أن السيد رئيس الجمهورية غير موافق على هذا التمشي من قبل رئيس الحكومة، لما اتسم به من تسرع وسياسة الأمر الواقع إذ انه لم يتم التشاور معه بل فقط تم إعلامه في آخر النهار بقائمة يبدو أنها تغيرت في الأثناء.
وشددت قراش أن الرئاسة ليست محتجة على مبدإ التحوير وإنما على طريقة القيام بالتحوير.