بفضل الأنترنت، أنا أنظر في العالم يحيا. كلّ ليلة، أرحل. أمشي الى الدنيا. حيث شئت وهذه نعمة كبرى. لا أنظر في القنوات التونسيّة جميعا، وطنيّة وخاصّة. منذ اندلاع الثورة، انتهيت منها. أمّا السبب فالكلّ يعلمه. السبب، هو ما تراه في هذه جميعا من رداءة، من تعاسة كبرى. في ما أعتقد، فشل الثورة وتشتّت السعي وهذه الفوضى، أصلها، مردّدها، ما جاء في التلفزة من قول خبيث، من خبط أعمى... لإنقاذ البلد، يجب مراقبة القنوات التلفزيّة والاعلام عامّة. يجب تأهيلها علّها تنتهي ممّا هي تنفث من همّ وغمّ...
يوم الاثنين الماضي حصلت في قلب العاصمة عمليّة ارهابيّة. اهتزّت البلاد والشبكة. تدافعت الأخبار. كثر القول. ها أنا أعود الى تلك الأيّام المظلمة. أيّام اندلاع الثورة. ها أنا أنظر في كلّ وجهة. أتابع. ألتقط الخبر وفيّ انقباض وحيرة...
عدت أنظر في الجزيرة الخبيثة وفي غيرها من القنوات الأخرى. عدت مكرها الى القنوات التلفزيّة التونسيّة والاذاعات أيضا... في المساء، اخترت القناة الوطنيّة. تابعت نشرتها الرئيسية. ماذا وجدت في نشرة أخبار الثامنة؟ وجدت تعاسة كبرى. وجدت رداءة وبؤسا. نشرة اخباريّة خرجت من رحم الزمن الغابر. أخبار محنّطة، لطمتني، من القرون الوسطى.
كانت الوجوه، كلّ الوجوه، من مقدّمين ومسؤولين وعابريّ سبيل، كانت كالحة، يابسة، في بعضها قبح وفي الأخرى توجّس واختلالات أخرى. لماذا وجوه التونسيين في التلفزة دوما مكشّرة؟ لماذا رؤوس المسؤولين دوما مكفهرّة؟ لا يهم. يجب أن أتجاوز ما في الملامح من توتّر وعبس، يجب أن أفهم ما جاء في الكلام من معنى... في انتباه ويقظة، استمعت للمقدّم، للمتدخّلين وللضيوف أيضا. لا أدري لماذا ولكنّني لقيت عند هؤلاء جميعا صدّا وعصبا. لغة لغو. خشب. كلام بلا روح، بلا معنى...
لماذا تتكلّم الوطنيّة بالعربيّة الفصحى وهي تعلم أن الكلام بالفصحى لا يفهمه الا الراسخون، وهم قلّة؟ هل نشرة الاخبار هي درس في التحرير والانشاء؟ هل تريد التلفزة تعليم الشعب اللّغة والجمل المركّبة؟ حين أستمع الى المقدّم للنشرة أو الى التقارير المعدّة، أتذكّر لمّا كنت شابّا صبيّا أدرس في ثانويّة سوسة. يومها، كنت وصحبي نتبارى في حفظ الجمل المحنّطة، في اختيار الصيغ المعقّدة وتلك الأخرى التي نلقاها في الكتب الصفر من كليشيّات مكرّرة؟ كذلك هو انشاء المحرّرين اليوم، في الجرائد وفي التلفزة. صغار تلهو. تعبث...
في قلبي انقباض، استمعت الى قول الرئيس الباجي حول ما جرى من ارهاب ولقيت قول الرئيس بائسا، تعيسا. أرى في رأيه خروجا عن الموضوع وفيه قرص وتلميح وخبث. ثم رأيت الرئيس الثاني محمّد الناصر ونظرت في وجهه التعب المصفرّ. استمعت الى ما يقول وكان يتكلّم بعسر ولا يقول شيئا. أمّا الرئيس الثالث فنسيت ما قال من أمر...
في تونس الفقيرة المتسوّلة، لنا ثلاث رؤساء. لكلّ رئيس أجور وامتيازات وحاشيّة وفيرة العدد والعدّة. لنا أيضا مجلس للشعب فيه نواّب كثيرون، يتجادلون دوما. أحيانا، يسألون الوزراء وأحيانا، يسنّون القوانين وفي غالب الزمن هم متغيّبون أصلا. لهؤلاء كذلك أجور بهيّة ومنح وفضائل أخرى. بعضها ظاهر والكثير مخفيّ... في مجلس الشعب، لا ترى غير الكراسي الخضر. جلّ النوّاب كعادتهم في تغيّب. لا يهمّ النوّاب ما يحصل في المجلس من قول. كلّ نائب لقضاء مصالحه يسعى وهذه النيابة تنتهي وهذه الأيّام تجري...
ثم تصغي الى بقيّة فقرات النشرة فتسمع جعجعة ولا ترى شيئا. ملء للفراغ. قتل الوقت. الكلّ غير مقتنع بما يقول وبما يفعل، بما في ذلك مقدّم النشرة. الكلّ في حال شبهة. هو يلعب دورا. لا يدري ما له من دور...