من ذيل البيان بتوقيعه، وهناك عشرات الدلائل على ان البيان لم يكن صادرا عن البحيرة بل عن قصر قرطاج، وهذا يشرح الكثير من مضمون البيان والقصد منه يختزل في جملة «الباجي قائد السبسي بات لاعبا مباشرا في الصراع ضد النهضة والشاهد» لأسباب جمة.
قبل 36 ساعة صدر بيان عن حركة نداء تونس استهل بمقدمة شرحت سبب صدوره، وهي الرد على ما وقع تداوله من تصريحات إعلامية بخصوص «الزيارة» التي أداها رئيس حركة النهضة السيد راشد الغنوشي إلى رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي،ليعلن الحزب انه معني بالرد عوضا عن الرئاسة.
نداء تونس وهو يلعب دور الناطق باسم الرئاسة قدم جملة من المعطيات التفصيلية التي تفيد بان مصدر المعلومات هو القصر، اولها أنّ الزيارة تمت بطلب من الغنوشي والثاني مضمون اللقاء كان استعراض ما جد في مجلس شورى النهضة والذي يقول البيان ان الرئيس اوضح للغنوشي انه على علم بمضمونه عبر البيان الختامي.
استهلال أريد منه تهيئة المتلقي لمعرفة القادم، وهو كما ورد في البيان حرفيا «أكد السيد رئيس الجمهورية الأستاذ الباجي قائد السبسي ان قبول الزيارة يتنزل في إطار انفتاحه واستجابته لجميع افراد الشعب التونسي دون إقصاء وان الموقف الرسمي من حركة النهضة يبقى إنهاء التوافق كما صرح به منذ خطابه الأخير بتاريخ 24 سبتمبر 2018»...كما « أكد سيادة رئيس الجمهورية أن العلاقة الشخصية التي تربطه مع السيد راشد الغنوشي لا علاقة لها بالموقف الواضح من حركة النهضة».
ليختتم البيان بالتشديد على ان «حركة نداء تونس تعتبر الحكومة الحالية هي حكومة حركة النهضة وعليه فإن الحركة غير معنية بدعمها سياسيا وإن التوافق الذي تم العمل به بين السيد رئيس الجمهورية وحزب حركة نداء تونس من جهة وحركة النهضة من جهة اخرى منذ انتخابات 2014 يعتبر منتهيا».
هذا نص البيان الذي يكشف بشكل صريح ان من قام بصياغته ليست الناطقة الرسمية انس الحطاب التي ذيل البيان بتوقيعها ولا أي من قادة الحزب الآخرين، وإنما رئيس الجمهورية الذي أراد أن يعلن من خلال البيان عن عودته لمسك مقاليد الحزب بشكل مباشر، حتى وان نفت قيادة نداء تونس الامر واقتصرت على التاكيد انها جمعت معطيات بشكل غير رسمي من القصر.
بعيدا عن شرح أسباب اختيار هذا الشكل في التصريح، او المغزى من الاستعانة باسم انس الحطاب عوضا عن الهيئة السياسية للحزب او مديره التنفيذي حافظ قائد السبسي، هذا البيان يمكن اعتباره «إعلان حرب» بشكل صريح ضد طرفين، حركة النهضة وهي العدو المباشر ويوسف الشاهد وهو عدو ثانوي/بالتابعية نظرا لكونه وفق تلميحات البيان بيدقا بيد النهضة.
فالبيان الصادر جعل من النهضة هي العدو الاساسي لنداء تونس الذي عاد ليسير من قبل رئيس الدولة نفسه، والقصد من جعل الصراع مقتصرا على النهضة هو ضرب عصفورين بحجر واحد، حشد «جمهور» الرئيس من الندائيين خلفه في معركة مع «العدو» والثاني التقليل من اهمية الشاهد وتقديمه على انه تابع للنهضة، أي ان الانتصار على النهضة يكفي للقضاء عليه.
لهذا فقد حرص البيان على ان يبين ان علاقة الرئيس بالنهضة انتهت، وان علاقته الشخصية مع رئيسها لن تكون ذات تاثير على مجريات العملية السياسية بينهما، أي ان الباجي وان لم يقطع شعرة معاوية مع الغنوشي فانه وبشكل نهائي قطعها مع الحركة.
فالنهضة هي التي انقلبت عليه وهذا يجعله يرفض اية تقارب معها باي شكل من الاشكال، وقد عبر عن هذا في البيان بشكل صريح، أي ان الرئيس ومن خلفه نداء تونس اعاد تحديد موقعهما من النهضة والشاهد، وفق تقسيم، العدو والحليف. وهذا التقسيم يراد به احياء مناخ مشابه لسنوات 2013و2014 للتسويق للرئيس وحزبه.
مشروع الباجي لاعادة احياء نداء تونس، في انتظار التعديلات الاخيرة، يقوم على خطوات بسيطة، عودة الرجل للحزب ليس كرئيس شرفي ينصح بل كقائد يامر فينفذ، وهذه العودة يريد بها حسم الجدل في محيط حزبه وابعاد خصوم ابنه باعتبار ان الوضع اليوم يختزل في «ان لم تكن مع الحزب فأنت ضد الرئيس» أي ان معارضي نجله ان لم يصطفوا خلفه فهم في خانة الاعداء ويجب ابعادهم.
خطوت يريد بها الرئيس ضبط حزام الحزب وكتلته مبدئيا ليمر لتنفيذ باقي خطواته، فالحزب الذي يعاني منذ اسبوعين من نزيف استقالات بات في حاجة اساسية لتدخل الرئيس بشكل مباشر لوقفها بعد ان تعذر القيام بذلك عبر رسائل وجهها في حواره الشهر الفارط.
تدخل الرئيس المباشر يريد ألاّ يقتصر على تحديد طبيعة علاقته بالنهضة والشاهد على انهما عدوان وعلى ان الحكومة الراهنة لم تعد حكومة وحدة وطنية بل هي حكومة النهضة واداة بيدها لتحقيق مصالحها، بل يريد الرئيس ايضا ان يعلن عن انه لم ينته سياسيا بعد وان بمقدوره التاثير في المشهد وربما تكون هذه خطوات اولى في مسار الاستعداد لـ2019.
حرب الرئيس اليوم على النهضة واعلانها عدوا لن تقبل منه اية محاولات «سلم» حتى وان كانت التخلي عن الشاهد، ليس هدفها اسقاط حكومة الشاهد او وأد مشروعه السياسي بل «ايجاد» عدو لمحاربته طيلة السنة الانتخابية لضمان حظوظ بالفوز، وهذا يشمل الحزب والرئيس الذي يبدو انه بات معنيا بالاستحقاق الرئاسي القادم.
عدو وتابع له هي ملامح خطة مواجهة الشاهد والنهضة من قبل الرئيس والنداء، اللذين لم يعدا معنيين بالصراع مع الحكومة واسقاطها بشكل مباشر بقدر اثبات انها حكومة النهضة وهذا قد يدفع بوزراء الحزب للاستقالة لمزيد إحراج الحكومة والنهضة من خلفها.