الجهاز السري لحركة النهضة : 24 ساعة من النفي و«الهجوم» على الجبهة الشعبية

منذ منتصف نهار أول أمس، لا خطاب على ألسنة قادة النهضة الا الهجوم اللاذع على الجبهة الشعبية

التي اتهمتهم بتشكيل جهاز سري بعد 2011، وهو ما تنفيه الحركة بمروية تقوم على اتهام الجبهة ونفي أي نشاط لها خارج الأطر القانونية، مع تجنب الخوض في التفاصيل أو في علاقة الواردة أسماؤهم في قضية خضر بها او بنشاطاتها.
حينما فجرت الجبهة الشعبية مفاجأتها في وجه حركة النهضة قبل يومين، يبدو أنها لم تكن تنتظر ان يطل قادة النهضة ليعلنوا ان ما قيل في الندوة الصحفية صحيح وان الحركة قامت بمراجعات لخياراتها وتخلت عن «أحد أذرعها» الاساسية في هيكلتها منذ سبعينات القرن الماضي.
ربما انتظر قادة الجبهة ان تشعر النهضة بالحرج وان تنغمس في الدفاع عن نفسها، لكنها قابلت هجوم الجبهة بهجوم اشد، انطلق في بيانها الصادر الثلاثاء الفارط واستمر امس بتصريحات قياداتها، التي تلتقي في عناصر عدة، اولها نفي وجود جهاز خاص للحركة قبل وبعد 2011، ثانيها نفي معرفة مصطفى خضر، وثالثها نقل الهجوم على الجبهة واتهامها بالافلاس السياسي والبحث عن تصريف ازماتها الداخلية باستهداف النهضة.

يوم امس كانت التصريحات الصادرة عن قادة الحركة ملتزمة بالعناصر الثلاثة للخطاب المضاد، مع اختلافات بسيطة في الترتيب او تقديم الحقائق او حدة الهجوم على الجبهة. فالقيادي بالحركة عبد الحمید الجلاصي، شدد امس في حوار اذاعي على ان جزءا من الجبهة الشعبية من «الناحیة السیاسیة خارج التاريخ»، قبل ان يشرح هذا بقوله ان الجبهة تشكك مع انطلاق السنة السياسية « في الدولة التونسیة والقضاء والأمن هذا خارج التاريخ».

هنا يستند الجلاصي الى ان الملف الذي اثارته الجبهة الشعبية لدى القضاء، وقد بت فيه وصدر حكم ضد المتهم دون ان يثبت وجود علاقة للنهضة، وهو ما يجعله يشدد على ان من يريد معرفة الحقيقة عليه التوجه للقضاء ان كانت له ثقة فيه أو ان يعلن عن عدم ثقته في اجهزة الدولة، وهذا يجعل من المعركة ليست ضد النهضة بل ضد القضاء والامن.
التشديد على ان الجبهة اختارت بداية السنة السياسية لاستهداف النهضة كرره علي العريض الذي شدد على ان «الجبهة الشعبیة وبعض أطرافها دأبت على احتراف التشويه والمتاجرة وبث الاكاذيب» واعتبر ان برنامجهم في بداية السنة السياسية استهداف وزارة الداخلیة بـ»الاكاذيب والتشكیك والقضاء بالضغط والتشكیك واستهداف مؤسسة الرئاسة بالتقول علیها واستهداف النهضة بالاكاذيب واستهداف علاقات تونس الجیدة مع بعض الدول».

العريض الذي جعل من برنامج الجهبة فقط استهداف الحركة ومن خلفها مؤسسات الدولة لم يغب عنه الذهاب بعيدا في تصريحاته ليشدد على ان الجبهة لا برنامج سياسي لها وان «الأسلوب المتبع يدل على حجم الافلاس الذي وصلت إلیه» ليشدد على ان الجبهة «افلست في الاستحقاقات الانتخابات واخرها البلدية» وانها تعاني من صراعات داخلية.
اما عن علاقته بمصطفى خضر فقد انكر العريض معرفته به بل شدد على ان خضر وقع ايقافه في فترة تقلد العريض منصب رئيس الحكومة، وقد حوكم ايضا في فترة وصدر بحقه حكم بالسجن لثماني سنوات، وهذا بالنسبة له دليل على ان النهضة لا علاقة لها بالقضية او ما قام به خضر، فالحركة وفق العريض لم تكلف خضر باية مسؤولية ولا مهمة، والامر يشمله هو ايضا فهو لم يكلفه باية مهام في نفيه لما اعلنه خضر بكونه كان يجيب على البريد الخاص للعريض في فترة توليه وزارة الداخلية.

الامر ذاته يتكرر مع عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس شورى حركة النهضة، الذي اتهم الجبهة الشعبية بالإساءة إلى شكري بلعيد ومحمد البراهمي عبر ما أعلنته هيئة الدفاع والإتهامات التي وجهتها للحركة بخصوص الإغتيالات، معتبرا ان ما قامت به الجبهة وهيئة الدفاع «خطير جدا على البلاد’’.
الهاروني اعتبر اتهامات الجبهة لحركته عملية تصريف ازمة، فالجبهة تعيش خلافات داخلية عميقة والطريقة لتجنبها هي استهداف النهضة، بل ذهب ابعد من «اخوته» ليعتبر ان جزءا من مكونات الجبهة الشعبية «يستعمل لضرب النهضة» كما كانت تفعل في زمن بن علي . هنا يعلن الهاروني ان حركته لم يكن لها يوما تنظيم سري بل كانت حزبا سريا بسبب الدكتاتورية التي منعت نشاطها العلني ومارست عليها العنف.

خطة النهضة لنفي وجود جهاز خاص يتبعها انشئ اثر الثورة، تقوم على تجنب الخوض صراحة في التفاصيل الاساسية والاقتصار على نفي وجود أي جهاز خاص منذ نشأة الحركة بل ان الحركة كانت ضحية العنف ولم تقابله باي رد عنيف، كل هذا في اطار قناعة بان الذاكرة يمكن اعادة برمجتها عبر تكرار روايات جديدة تشكلها النهضة كيفما شاءت.
لكن في خضم هذا يبدو انه غاب عن قادة الحركة الانتباه الى تفاصيل اساسية، وابرزها ان مصطفى خضر احد ابنائها وكوادرها التي لا يمكن ان تنكرهم، ثانيها ان خضر وشبكته هم جزء من حركة النهضة حتى وان رغبت الحركة في دحض ذاك، فهم في الهياكل الوسطى والقاعدية والعليا، وهم بالاساس النموذج الاول «للنهضاوي المثالي»، فهم تشربوا بفكر الحركة كافة السياسي و«الجهادي» فالنهضة وفي نشأتها كانت تعد مثلها مثل باقي فصائل الاسلام السياسي «جيش المسلمين» الذي بهم ينتصر دين الله.

يبدو انه كان من الافضل ان تعتمد الحركة خطة دفاع غير التي انتهجتها خلال اليومين الفارطين، وكان حريا بها ان تكرر ما تم في 7 فيفري 2011 حينما اعتذر حمادي الجبالي عن «اعمال العنف» التي قام بها أبناء الحركة بشكل فردي قبل ان يمحى ذلك الاعتذار وتطل مروية «نظام بن علي فبرك».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115