المنعقد أمس بقصر قرطاج، فالجميع يدرك ان لقاء الرجلين لم يكن الا بشأن مصير الشاهد في ظل توقعات ان يتطرق اليه الرئيس في حواره الأسبوع القادم مع قناة الحوار التونسي.
خلال الايام القليلة الماضية تغيرت المعادلة السياسية في تونس بشكل كلي، سواء في البرلمان او في حركة نداء تونس او في العلاقة بين الحكومة ومحيطها، الكثير من التغيير ومعه برز اسم الشاهد ليصبح اللاعب الابرز في المشهد.
لاعب يبدو ان تعاظم الزخم المحيط به دفع رئيس الجمهورية الى اتخاذ قرار الظهور في حوار تلفزي ليبين تموقعه من رئيس الحكومة وكيف يرى حل الازمة المتعلقة بالعمل الحكومي او المتعلقة بحزبه، نداء تونس.
اختيار الرئيس ان يتحدث بداية الاسبوع القادم كان في ظل حديث في كواليس النداء عن لجوء الباجي قائد السبسي الى الفصل 99 من الدستور وعرض حكومة الشاهد على جلسة منح ثقة في البرلمان لتحديد مصيرها اما بعدم حصولها على الثقة او بالتجديد.
الفصل 99 الذي يمنح الرئيس صلاحية احالة الحكومة على المجلس حتى في ظل رفض رئيس الحكومة، لم يعد بالخيار الهين والمضمون، فالرهانات هنا عديدة ومن سيكون تحت «الخطر» هو رئيس الجمهورية نفسه الذي يدرك ان المعادلة تغيرت في مجلس نواب الشعب عما كانت عليه في شهر جوان الفارط. تغيير شمل بروز كتلة برلمانية جديدة تدعم الشاهد واهلها يشددون على انها ستبلغ رقم 50 نائبا سيكونون ضد سحب الثقة من الشاهد حتى وان كان الباجي هو من يطلب منهم ذلك.
دقة الامر جعلت رئيس الجمهورية يوجه دعوة للقاء برئيس حركة النهضة راشد الغنوشي امس، ويبدو ان استنتاج موضوع اللقاء لن يكون بالصعب، فهو بالتأكيد معرفة موقف الحركة من الحكومة وهل غيرت من خيار دعمها والدفاع عن الاستقرار الحكومي ام انها لا تزال عنده.
ليس هذا فقط ما يريد الرئيس معرفته بل يريد معرفة هل ستختار النهضة «الاستقرار الحكومي» على حسابه أي ان يمنح نوابها الثقة لحكومة الشاهد إذا وقع اللجوء الى الفصل 99 من الدستور. فهذا ما يخشاه الرئيس اكثر من خشيته من خطاب المعارضة في البرلمان ان قرر الذهاب اليه.
خشية تنبع من ادراك الرئيس ان النهضة وقفت في وجهه في مناسبات عدة إذا تعلق الامر بحكومة الشاهد، واخرها ما يتعلق بالمهلة التي منحت لزعيم الحركة ليبلغ الرئيس بالقرار النهائي لحركتة بشان استئناف الحوار والاتفاق على النقطة 64 من وثيقة قرطاج2 المتعلقة بتغيير كلي للحكومة. مهلة كان رد النهضة إثرها بأنها لا تزال مع الاستقرار الحكومي.
اليوم ومع تغير المعطيات على الارض وبروز ما يمكن اعتباره نواة مشروع الشاهد السياسي، كتلة برلمانية وتنسيقيات جهوية منشقة عن النداء، يبدو ان النهضة لن تجد صعوبة في حسم امرها إذا لجأ اليها الرئيس بطلب دعمه على حساب الشاهد.
اصطفاف تريد النهضة ان لا تجبر عليه، فهي ووفق تصريحات اكثر من قيادي بها، لطفي زيتون محمد بن سالم وسامي الطريفي، تفضل عدم جر البرلمان الى ازمة جديدة، والقصد ان النهضة لا تحبذ فكرة لجوء الرئيس الى الفصل 99 من الدستور.
عدم التحبيذ عبر عنه سامي الطريفي في تصريح لـ«المغرب» شدد فيه على ان النهضة تعتبر اللجوء الى الفصل 99 من الدستور بمثابة «ترحيل الأزمة للبرلمان» خاصة في وضعه الراهن «غير السليم».
موقف يشترك فيه الطريفي مع زيتون، وكل منهما استعمل تقريبا ذات المصطلحات مما يعنى ان الامر نوقش في هياكل الحركة وحددت الحركة اولوياتها، وهي عدم جر البرلمان الى أزمة سياسية وتركه ينكب على مهامه الاساسية في الفترة القادمة. ومهامه تتعلق بتركيز المحكمة الدستورية وانتخاب الأعضاء الثلاثة المتبقين، إضافة الى انتخاب رئيس لهيئة الانتخابات وانتخاب 3 أعضاء جدد في إطار التجديد الثلثي.
مهام تعتبرها الحركة تتطلب ان يبتعد البرلمان وأروقته عن تجاذبات سياسية حادة، خاصة وان تنفيذ هذه المهام يحتاج «الى تنسيق كبير بين الكتل» و «ترحيل الأزمة للبرلمان سيتسبب في تعطيل مطلق للبرلمان وشله» وفق الطريفي الذي يعتبر ان اللجوء الى البرلمان لحل ازمة الحكومة ليس بالخيار الصائب في فترة انتقالية.
فترة انتقالية تدرك النهضة اليوم ان اللاعب الجديد فيها هو يوسف الشاهد وان جره الى البرلمان لسحب الثقة منه سيكون بداية ازمة جديدة، ستكون اعنف من ازمة الحكم الراهنة، فالازمة القادمة ستهدد الانتخابات في 2019 ، والالتزام بموعد الانتخابات من اهم اولويات الحركة. لهذا فيبدو جليا ان النهضة، مبدئيا، ترغب في تجنب لجوء الرئيس للفصل 99 ولكن إذا لجأ اليه فالسؤال هل ستغير موقفها ام ستظل عليه؟.
الاجابة عن هذا السؤال تعتمد على الحالة الذهنية للحركة اثناء اتخاذ القرار، فالنهضة تدرك جيدا ان الشاهد هو «الجواد الرابح» ان تعلق الامر بانحصار المنافسة بينه وبين «النداء/ شق نجل الرئيس». هذا تدركه الحركة وتراهن على ان ينتصر الشاهد في صراعه مع نجل الرئيس لتضمن لنفسها «شريك» لمرحلة ما بعد 2019.
هذه الحسابات كانت قبل ان يلعب الشاهد ورقته ويشكل كتلة تدعمه في البرلمان هي اليوم اقرب الى ان تكون الكتلة الثانية في المجلس من حيث الوزن، اي ان حسابات النهضة لن «تختل» بل ستتمسك اكثر بخيار الشاهد على حساب قائد السبسي، سواء الابن او الاب.
اليوم قد يكون من المبكر القول ان الرئيس قد يغامر في اخر عهدته بتفعيل الفصل 99 من الدستور وهو يدرك ان الخسائر ستكون في صفوفه مهما كان تصويت المجلس، لكن هذا لا يعنى ان الرئيس الذي ترك مقربين منه يناورون في الايام الفارطة لايجاد مخرج من ازمة الحزب قد ينجرف الى صف ابنه بهذه الحدة.
فالارجح هنا ان يلوح الرئيس بورقة الفصل99 دون اية التزامات محددة، بهدف لعب ورقة ضغط مزدوجة على رئيس الحكومة ونجله لحل الازمة في النداء لتجنب «انهيار» ارثه الذي راكمه منذ 2011.