بحثا عن «التحكم» في نسق السنة السياسية : حركة النهضة تخيّر الشاهد بين مستقبله السياسي وبقائه في الحكم

لم يعد يفصل عن انطلاق السنة السياسية الجديدة غير ايام معدودات، حقيقة تدركها حركة النهضة

مثلما تدرك جملة من الحقائق الأخرى التي ستكون حاسمة في تحديد قائمة الفاعلين في المشهد قبل سنة من موعد الاستحقاق الانتخابي، لهذا فكل حركة تأتي وجب دراستها على ضوء هذه المعطيات من ذلك التلويح بان الشاهد امام خيارين، البقاء دون التقدم للاستحقاق الانتخابي أو الرحيل والمراهنة على حظوظه في 2019.

يوم أمس الحدث كان تصريحات قادة حركة النهضة على هامش أشغال مجلس شوراها والندوة السنوية لمجالسها، حيث أعلنت الحركة مرة أخرى، وهذه المرة أيضا على لسان رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبد الكريم الهاروني، أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد مطالب بـ«التعجيل بتوضيح مسألة إعادة هيكلة الحكومة والتحوير الوزاري حتى لا تبقى البلاد في حالة انتظار»،ليس فقط التعجيل بالهيكلة او التحوير الوزاري بل أيضا بتبني الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية 63 المُضمنة في وثيقة قرطاج 2 والمُضي قدما لانجازها”.

لكن ليس هذا أهم ما أعلن بل النصف الأخر من الإعلان المتمثل في قول رئيس مجلس شورى النهضة ان حركته تدعم ما جاء في النقطة 64 من وثيقة قرطاج 2، لكن هنا يشرح الهاروني ان حركته ليست مع كامل ما ورد في هذه النقطة القائمة على تغيير حكومي شامل مع التزام أفراد الحكومة القادمة بعدم الترشح في انتخابات 2019، النصف الأخير من النقطة 64 هو ما تدعمه الحركة وهو ما أكده الهاروني بقوله «... ضرورة أن تكون الحكومة سياسية في كل الحالات محايدة في علاقة بالاستحقاقات الانتخابية».هذا الموقف القديم الجديد الذي أعلن عنه منذ 1 أوت 2017 أول مرة على لسان راشد الغنوشي رئيس الحركة، وأعيد طرحه أخر أوت الجاري على هامش أشغال الدورة 21 لمجلس شورى النهضة، الذي انطلق يوم أمس ويستمر لغاية الاثنين القادم.

هذا الموقف الجديد القديم ليس هو «مفتاح» فهم الوضع الحالي، بل توقيت طرحه من جديد، فالنهضة وطوال السنة الفارطة لم تتخل عن مبادرتها الداعية ليوسف الشاهد بعدم الترشح للاستحقاقات الانتخابية، وظلت تقول بهذا في ظل التعثرات التي مرت بها مفاوضات قرطاج 2 وطرحته كحل بديل على رئاسة الجمهورية حينما علقت المفاوضات.

أي ان الحركة ظلت على مقاربتها، وهذا لا ياتي بشيء جديد لطرحه، لكن توقيت إعادة طرح المسألة يشرح الكثير، اول ما يشرحه هو سعي حركة النهضة الى فرض أولوياتها على الساحة السياسية والنقاشات التي ستشغلها انطلاقا من بداية السنة السياسية الانتخابية، أي ان النهضة تريد ان تكون هي ضابط ايقاع النقاشات ومحدد محاورها، ففي السياسة الفاعل الرئيسي في المشهد هو من يتحكم في الأولويات بمبادرات يطرحها ويجر البقية الى أرضه.

هذا ما جعل الحركة تستبق بداية السنة وتلقي بورقتها القديمة، لتجعل من النقاش العام اليوم ليس بقاء الشاهد او رحيله من جانب او النقاش بشان مع المساواة في الميراث او ضدها، بل يصبح النقاش بشان هل الطبقة السياسة مع حكومة غير معنية بالانتخابات ام لا، وهل من الأفضل ان تكون الحكومة بغير طموح انتخابي لتجاوز الازمات ام العكس.
بحث النهضة عن تحديد مربع النقاشات العامة ليس هو فقط ما يحركها بل ايضا هاجس أخر يتمثل في تجنب خروجها خاسرة في المعادلة خاصة وان الكواليس في القصبة تتحدث عن قرب موعد استقالة الشاهد، التي لم يحدد بعد موعدها شهر اكتوبر القادم ام انتظار مرور قانون مالية 2019.

لتجنب البروز كمن راهن على استمرار الشاهد و«عادى» من اجله رئاسة الجمهورية ونداء تونس، أعادت النهضة إحياء مبادرتها لتصيب بحجر واحد عدة عصافير. منها ان الحركة ومبادرتها الحالية، هي من اجبر الشاهد على المغادرة، أي ان الشاهد وجد نفسه مجبرا على الاستقالة لان الحركة خيرته بين امرين، مستقبله السياسي ام بقاءه في الحكومة لنهاية 2019.
ليس هذا العصفور فقط ما تهدف الحركة لإصابته، بل أيضا تجنب البروز كمن يدعم الشاهد في صراعه القادم مع حزبه، فالأخير سيكون مجبرا بشكل او بآخر عن خوض صراع مباشر مع قادة حزبه، سواء لافتكاك الجهاز او للحلول محله بحزب جديد، ولتتجنب النهضة التورط في صراع غير معنية به قد ينعكس عليها سلبا في ما تبقى من السنة السياسية حرصت على ان تعلن انها لا تدعم الشاهد.

حركة النهضة خيرت ان تكون انطلاقة سنتها السياسة الأخيرة في العهدة الانتخابية الراهنة باستعادتها لزمام المبادرة التي فقدتها منذ 2013 لصالح بقية الأطراف، وهي تسعى إلى استغلال التوازنات بين الأطراف السياسية والاجتماعية لتحقيق هذا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115