التعامل معها، انطلاقا من النقلة الافتتاحية. وفي السياسة لا يختلف الأمر كثيرا خاصة أن كان هناك معركة بين طرفين وهذا ينطبق على الصراع القائم اليوم بين يوسف الشاهد وخصومه في عائلته السياسية.
يبدو أننا نشهد في تونس ما يمكن اعتباره مباراة القرن، لكن هذه المرة ليس في الشطرنج إنما في السياسة، وتحديدا في العائلة التقدمية/ الديمقراطية/ الدستورية ممثلة في لاعبين أساسيين، يوسف الشاهد وخصومه، في إطار مباريات إقصاء تتساقط فيها الأسماء تباعا إلى غاية المباراة النهائية.
وكما الشطرنج تدار هذه المباريات عبر استراتيجيات، تقوم على فهم الأهداف الكامنة وراء كل حركة خاصة الافتتاحية التي تحدد الإستراتيجية العامة، من مواقع تمركزك كل القطع القوية طول اللعبة، مع اخذ بعين الاعتبار الاستعداد للثلاث او خمس نقلات قادمة، بالنسبة للمبتدئين.
هذه القواعد تنطبق بشكل حرفي على اللعبة السياسية الراهنة بين طرفين يمكن اختزالهما في فريق يوسف الشاهد والأخر في خصومه الراهنين والقادمين، كل منهم يعد لخصمه «هجمات أكثر تعقيداً» يضمن الانتصار في اللعبة، في وقت وجيز.
لهذا فان أفضل طريقة لفهم ما يجرى في المشهد السياسي هو قراءته على انه مباراة شطرنج، كل نقلة لها نقلات مضادة، بهذا يمكن فهم التحركات الأخيرة سواء لنداء تونس وحركة مشروع تونس من جهة او للفريق الداعم للشاهد، والاثنان يتحركان لحماية القطع الأهم حاليا في اللعبة «الملك» وهنا هو النواب.
يدرك الطرفان أن اقوى قطعهما وأهمها هي «كتلهم» في البرلمان، لذلك يريدان تحصينها وحمايتها في مرحلة أولى، وهذا ما عبر عنه النداء ومشروع تونس من خلال إعلان التوجه إلى تشكيل «جبهة برلمانية» في ظاهرها احداث توازن سياسي مع النهضة، لكن باطنها خطوة ضد الشاهد ومشروعه.
بالنسبة للمشروع ونوابه فالحزب بات مدركا ان من ظل في كتلته هم من المنضبطين للخيار السياسي للحزب، في المقابل يبحث الشق المناهض للشاهد في النداء عبر التحالف مع المشروع إلى إعادة توزيع التوازنات في الكتلة بما يضمن ترجيح كفة المعارضين للشاهد. وأيضا ضمان عدم التأثر من اي تطور سلبي يحدث في الكتلة خلال الأيام القادمة.هذه الخطوة التي يبدو انه ستلحقها خطوات قادمة مع انطلاق السنة البرلمانية الخامسة والأخيرة في العهدة البرلمانية. عهدة يريد خصوم الشاهد أن لا تنتهي وإلا وقد وقع «الإجهاز على الشاهد» ومشروعه السياسي، وسيكون قانون مالية 2019 أخر فرصة لتحقيق هذا المراد.
هذا الحرص من الشق المناهض للشاهد في نداء تونس، جعل الخطوات تتسارع في الحزب في ظل ضبابية أمام كل الفاعلين في الشق بسبب العطالة التي أصيبت بها أجهزتهم، وخاصة كتلتهم البرلمانية.
عطلة لم تحل دون تحركات الشق المقرب من الشاهد في الحزب او في البرلمان، بهدف ضمان موطئ قدم صلب في الكتلة ومجموعة صلبة تقتفي اثر الشاهد ان قرر اية خطوت، وهنا مربط الاحداث كلها، خطوة الشاهد القادمة فالرجل الذي تسارعت وتيرة نشاطه خلال الايام الفارطة بما يوحي بقرب موعد اعلانه عن مشروعه السياسي.
مشروع يتضح بشكل جلى انه يقوم على افتكاك الحزب، وهياكله وان اقتضى الامر الانسلاخ بجل قادته وهياكله لتكوين حركة سياسية في فلك النداء، لكن هذا غير محبذ من قبل المجموعة المقربة من الشاهد التي تريد ان تستحوذ على الحزب وتحقق انتصارا هاما على حافظ قائد السبسي.
انتصار يعتبر استكمالا لمروية النجاح التي يجاهد الشاهد لصياغتها، فالارقام المقدمة من قبل حكومته بشان المؤشرات الاقتصادية تبين تحسنا طفيف وبداية تعافى هشة للاقتصاد التونسي، ستكون عناصر هامة في مرويته التي سيقدمها خلال الاسابيع القادمة.
مروية سيبحث الشاهد فيها عن تحسين صورته في ظل تراجع نسب الرضا عليه وعلى حكومته، وهذا دون ان يغفل عن اضعاف خصومه سواء الحاليين في النداء او القادمين من بقية اطياف العائلة السياسية التي ينتمي اليها، والقصد هنا مشروع تونس والبديل وحزب آفاق تونس.
فالشاهد سيستهدف هذه الاحزاب لضم جزء هام منها الى حركته، سواء صلب النداء او خارجه، وبهذا يحقق النصر، ولكن كما في الشطرنج اللعبة بين طرفين، واي خطأ يكلف الكثير.