يوم على إعلان رئيس الجمهورية عن مبادرته حول المساواة في الميراث: أحزاب تدعم وأخرى تنتظر..

يوم على خطاب رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بمناسبة الاحتفال بعيد المرأة واقتراحه سن قانون يضمن المساواة في

الإرث بين الجنسين، مع احترام إرادة الأفراد الذين يختارون عدم المساواة في الإرث وإحالته إلى مجلس نواب الشعب، حددت الأحزاب مواقفها في انتظار كتلها البرلمانية ولا نعلم بعد إن كانت ستلتزم بما أقرته قيادتها المركزية من دعم المبادرة التشريعية أم لا، كل هذا مؤجل لدى الجميع من يدعم ومن يعارض، ولكن يبدو أن عاصفة تقرير لجنة الحريات بصفة عامة ومبادرة رئيس الجمهورية لن تهدأ إلا بعد طرحها على مجلس نواب الشعب باعتبارها مازالت في طور المبادرة في انتظار تحويلها إلى مشروع قانون.

أثارت مبادرة رئيس الجمهورية حول المساواة في الميراث، جدلا متصاعدا، بين الرفض والدعم ويبدو أن الداعمين من الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان إلى حدّ هذه اللحظة أكثر من المعارضين، حيث أعلنت مبدئيا عن مساندتها لمبدأ المساواة بين الجنسين في الميراث على غرار حركة نداء تونس والتيار الديمقراطي وحزب آفاق تونس والجبهة الشعبية والاتحاد الوطني الحر.. في المقابل نجد حركة النهضة التي تشدد على أن هذه المبادرة جاءت في غير وقتها وتعتبر مسألة المساواة في الميراث في حاجة إلى حوار واستشارة نظرا لأهميتها ولا يمكن الحسم فيها بهذه السرعة.

«احتراز النهضة سيكون قويا ..»
لئن رحبت العديد من الأحزاب والمنظمات بمبادرة الرئيس، فإن حركة النهضة مازالت لم تقدم موقف رسمي رغم تصريحات لقادتها تعرب عن عدم تأييدها وتراهن على عامل الوقت والنقاشات داخل قبة البرلمان، حيث أكد النائب الثاني لرئيس الحركة علي العريض في تصريح لـ«شمس أف أم» أن «مبادرة رئيس الجمهورية جاءت في غير وقتها لان البلاد ليست في رخاء اقتصادي وأمني وسياسي، مشيرا إلى أن النهضة لديها احترازات على هذه المبادرة التي أثارت مخاوف التونسيين سواء على مستوى الأسرة ومدى تماسكها أو على مستوى النمط المجتمعي. وقال العريض «لا أتوقع أن تتجه النهضة في المرحلة الحالية للتصويت لصالح مبادرة رئيس الجمهورية. وأضاف «احتراز الحركة سيكون قويا إذا بقيت المبادرة على صيغتها الحالية»، مشيرا إلى أن الحل يكمن في الحوار بين الطبقة السياسية دون تصادم وتكفير من أجل التوصل لحلول. وذكّر العريض بأن مشاريع القوانين عندما تدخل للبرلمان لا تبقى على حالها وإنما تخضع لعدة تغيرات وفق تعبيره. موقف زاد في تأكيده الناطق الرسمي للحركة عماد الخميري، حيث أوضح، أنّ الحركة لا يمكنها أن تصادق على مادّة تشريعيّة مخالفة للدستور أو تمسّ من هويّة الشعب التونسي أو المشاعر الدينيّة، مضيفا قوله «أنّ الحركة ستظلّ وفيّة لمنتخبيها وأنّها ستظلّ متمسكة بالبرنامج الانتخابي الذي تمّ انتخابهم من أجله خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2014».

مبادرة جريئة
موقف حركة نداء تونس مخالف تماما لموقف حركة النهضة، حيث أكد رئيس لجنة الإعلام بالنداء المنجي الحرباوي لـ«المغرب» أن مبادرة رئيس الجمهورية جريئة وتمس مسألة عند البعض تعتبر خطا أحمر ومسألة حساسة وعند البعض الآخر من الضروري تطويرها، مشيرا إلى أن رئيس الجمهورية في مبادرته ترك مساحة من الحرية للاختيار بين ماهو قانوني مدني وبين شرعي عرفي عقائدي، وهذا يدل على أن رئيس الجمهورية مازال يلعب دور المجمع حول القضايا الخلافية. وأضاف أن هذه المبادرة تبقى مبادرة خلافا لما يتصوره البعض أنها مسألة قد يكون لها تداعيات اجتماعية في تشتيت وتقسيم المجتمع، فهي تبقى مبادرة لا علاقة لها بالمسائل الاجتماعية الكبرى، فمسألة المساواة في الميراث لن تكون أكثر حدة من مسألة تعدد الزوجات والطلاق الشرعي والمدني والمهر. كما بين أن هذه المبادرة تندرج في إطار مواصلة الإصلاحات الكبرى التي أقدمت عليها الجمهورية الأولى خاصة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة.

الحرباوي أكد أيضا أن هذه المبادرة سيكون لها مساحة من النقاش داخل مجلس نواب الشعب باعتبار أن المسألة تشريعية بامتياز ومن الضروري أن تمر عبر المجلس وتحظى بالحوار والنقاش العميق من قبل الأحزاب والهياكل الوطنية ذات العلاقة، فالمهم بالنسبة للحرباوي أن الحركة تدعم ما ورد في خطاب رئيس الجمهورية بجله وكله تعتبره خطابا متوازنا وفيه موازنة بين صلاحياته وبين ما هو عقائدي اجتماعي نفسي عام، خطاب يأتي في لحظة تاريخية من أجل الارتقاء بالمنظومة التشريعية حتى تكون في مستوى اللحظة الثورية التي وقعت بعد 8 سنوات من الثورة و4 سنوات من التشريع الذي يتطلب اليوم تطويره حتى يتلاءم مع الوضع العام في البلاد في علاقة بالحريات الفردية والعامة وحتى يكون متلائما مع المنطق الدستوري. هذا وشدد الحرباوي من جهة أخرى على أن هذه المسألة يجب ألا تشغلنا عن القضايا الحارقة في البلاد، الاجتماعية والاقتصادية، فمسألة المساواة في الميراث هي تشريعية ومجالها البرلمان ولكن باقي المسائل الأخرى هي مسائل وطنية.

التيار مع المساواة بين الجنسين
غازي الشواشي الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي في تصريحه لـ«المغرب» لئن عبر عن خيبة الأمل في خطاب رئيس الجمهورية باعتبار أنهم كانوا ينتظرون أن يتفاعل الرئيس بأكثر ايجابية مع تقرير لجنة الحريات لتضمنه عديد النقاط الايجابية والتي من شأنها أن تعزز مكانة المرأة والحريات الشخصية ومراجعة القوانين التي لم تعد منسجمة مع الدستور، فإنه يدعم مسألة المساواة في الميراث، وقد سبق وأن عبر عنها في بيان 23 أوت 2017، فالحزب مع مبدأ المساواة بين الجنسين وتمّ اقتراح أن يكون هناك نظام تشريعي اختياري، إما حسب الشريعة الإسلامية أو عبر تطبيق مبدأ المساواة، مشيرا إلى أن هذه المبادرة تعتبر خطوة كبيرة وايجابية لاسيما وان تمّ التنصيص على حرية الاختيار لصاحب الملك. هذا وأضاف الشواشي أنه للأسف الشديد تبنى رئيس الجمهورية نقطة وحيدة من تقرير اللجنة وكأنه يريد أن يدخل التاريخ على غرار الزعيم الراحل بورقيبة الذي منع تعدد الزوجات عبر التشريع للمساواة في الميراث، لتصبح المسألة شخصية أكثر من أن يكون الضامن لحرية الدستور ويراجع كل التشريعات البالية التي لم تعد منسجمة مع الدستور. هذا وشدد الشواشي على أن التيار مع المساواة بين الجنسين في الميراث مع ترك الاختيار للمورث، وهذه الخطوة يمكن أن تكون الأولى في انتظار إلغاء مبدأ الاختيار في مرحلة قادمة حتى تتأقلم الثقافات، فالإصلاحات على هذا المستوى الديني ليست سهلة ويجب أن تتم بشكل تدريجي لتجاوز ثقافة أكل عليها الدهر وشرب.

الجبهة الشعبية تتهم النهضة
الجبهة الشعبية بدورها تدعم مسألة المساواة في الميراث وقد سبق لها وأن طالبت السنة الفارطة بضرورة تقديم مبادرة تشريعية تكرس مبدأ المساواة بين الجنسين، وقد اتهم ناطقها الرسمي حمة الهمامي في تصريحات إعلامية حركة النهضة بتجييش الشارع يوم 11 أوت الجاري تاريخ تنظيم وقفة احتجاجية ضدّ المساواة في الإرث وتقرير لجنة الحقوق والحريات الفردية. وتابع بالقول «من الطبيعي أن تكون حركة النهضة ضدّ المساواة في الإرث، فهي تتظاهر بأنها حركة مدنية، بينما قواعدها يتحركون ويؤججون الوضع.»

ردود الأفعال على المبادرة الرئاسية مازالت متواصلة ومازالت تسيل الكثير من الحبر في الأيام القادمة، فبعد أن كانت الأنظار كلها متجهة نحو تقرير لجنة الحريات المثير للجدل باتت اليوم متجهة نحو نقطة وحيدة فيه وهي المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، مبادرة ولئن لاقت ترحاب كبير من قبل عدة أطراف فإن هناك من مازال يعارضها بشدة من منطلق عدم المس بالنصوص التشريعية، فالكل ينتظر مضمون مشروع القانون الجديد لرئيس الجمهورية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115