هشام قريسة و عبد المجيد الزار وراشد الغنوشي ورضا الجوادي ونور الدين الخادمي: هؤلاء لا يريدون المساواة

باسمك اللهم ينطق بعض من خلقك ليعلنوا أنهم أوصياء على فهم كتبك

ودلنا لصراطهم المستقيم، باسمك يعلن «حرس الفضيلة» ان من لم يتبعهم في النار، وقد امتلأت جهنم بأمر منهم بالباحثين عن المساواة والحرية. باسمك اللهم يصادر كل شيء في هذه الأرض بأمر من أهل الحل والعقد. أما أنا فباسمك أنادي بالحرية والمساواة.

يجر النقاش في تونس الى حقل «الشريعة» والبحث عن جواز او عدمه كلما تعلق الأمر بقضيتين، المساواة بين الجنسين والحريات الفردية، هذا يتكرر كل بضع سنين، اخرها ما نشهده اليوم من جدل محتدم بشان تقرير المساواة والحريات الفردية وما تضمنه من مقترحات.

هذا النقاش حاد عن اطره، فعوضا عن مناقشة اين تقف الدولة ومشرعها والمجتمع ان تعلق الامر بحرية الفرد وحرمة جسده، واية قيمة فعلية للمساواة في منظومتنا القانونية والقيمية ان كانت مجتزئة مبتورة. لكن هذا لم يحدث بل بات النقاش هل يجوز ان ترث المرأة مثلها مثل الرجل ام لا، وهل يجوز للفرد ان يتصرف في جسده كما يبتغى ام لا.
هنا نبش الرافضون لهذين المبدأين في المدونة الفقهية واستلوا حججهم ليحشدوا بها الشارع ليرفض مشاريع قوانين تسن المساواة والحريات الفردية، مع تلخيص ما ورد في التقرير في بعض نقاط اولها المساواة والحريات الجنسية، فان رفضت الاولى برمتها فان الثانية تقبل ولكن بشرط «عدم المجاهرة»، في ظل حجج «اخلاقوية» تستند للعرف والتقليد.
من هؤلاء الرافضين، حركة النهضة المجسدة في شخصية رئيسها «راشد الغنوشي» الذي انصرف القائمون على حساباته الشخصية في شبكات التواصل الاجتماعي، الى إجتزاء بعض من نصوصه المنشورة في كتب، ونشرها ليقدم بشكل «مرمرم» موقفه من السجال المفتوح مع الحرص على ان يكون الامر مقتصرا على المساواة في الميراث.

لكن الاجتزاء يقع التخلي عنه لتعلن النهضة ان رئيسها ابلغ رئيس الجمهورية بموقفها من المقترحات المنصوص عليها في التقرير، وهو الرفض، رغم ان التقرير ضم «السلبي والايجابي» وانه يضم قضايا تستحق تعميق الحوار واخرى مرفوضة على غرار مسألة المساواة في الميراث التي تمس بنمط المجتمع التونسي.

هنا تعلن الحركة انها لا تعتبر هذه النقطة أولوية وطنية، بل هناك العشرات غيرها تستوجب الانكباب عليها، منها المرأة العاملة وحقوقها وعطلة الامومة ودور المرأة السياسي والمساواة في الأجر والمنح وغيرها من القضايا الاخرى، التي يراد بها خلق تفرعات تحجب أصل الرفض، فالحركة ترفض ليس بسبب فقه الأولويات بل لسببين، الاول عقائدي والثاني انتخابي. فالحركة لاتزال وفية لمقولاتها السابقة في التسعينات، زمن اعتبار المرأة مكملة للرجل وان دورها الانكباب على إعداد النشىء السليم.

دون الابتعاد عن هذه المقاربة لكن مع جرعة اضافية من الشريعة يتحدث رئيس جامعة الزيتونة هشام قريسة، ليصف ان تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة «مناقض للقران والسنة وما هو معلوم من الدين وأجمعت عليه الأمة» وهذا في عرف العالمين بالفقه خطوة أولى في التكفير.
تكفير اعتمد على ان التقرير مس من احكام الشريعة «كتحريم الزنا واللواط والسحاق ومخالف لأحكام الأسرة في الإسلام، من ذلك أحكام النفقة والمهر والميراث...» ، كما ان التقرير يخالف الفطرة الانسانية السليمة ويهدم الأسرة ويهدد سلم المجتمع وانسجامه... وينشر الإباحية ويشيع الفاحشة»، وفق رأيه.

رأي يتقاسمه الرجل مع اثنين من ابرز الوجوه التي عرف عنها دفاعها وتشجيعها على نشر الفكر السلفي الجهادي/ التكفيري، رضا الجوادي الامام السابق لجامع اللخمي بصفاقس، ونور الدين الخادمي وزير الشؤون الدينية في فترة الترويكا.
كلاهما بات اليوم من ابرز الداعين لمسيرات احتجاجية ضد التقرير وما يدعو اليه من اشاعة للفاحشة ومس مما هو معلوم من الدين بالضرورة، والقصد المساواة في الارث، وان كان الكل يسعى لتغليف الأمر في ثوب الدفاع عن الأسرة والإسلام، ممن يهددهما.

الجوادي والخادمي كلاهما يعتبران ان موقفهما الرافض لتقرير لجنة الحريات مرده «الدفاع عن الاسرة التونسية» التي تصنف كخلية أساسية للمجتمع، تحتاج الى مشروع اصلاحي يتلاءم مع هويتها الاسلامية العربية وليس مشروع اصلاحي صادم لهويتها وعرفها الاجتماعي، لهذا فقد وجب شرعا الخروج للشارع لإسقاط التقرير.
كلا الرجلين كما من سبقهما، هشام قريسة، استلا من تحت عباءتهما سيف الدفاع عن القران والأسلام ضد اعدائه، وهم كما حركة النهضة يعتبرون أن هذه القضايا ليست من الاولويات الوطنية، وهو الامر ذاته بالنسبة لرئيس اتحاد الفلاحين والصيد البحري عبد المجيد زار، وان مزج الرجل بين المنطقين.

منطق الشرع والاولوية، فهو في صباح امس، امام نشطاء مجتمع مدني يقول أن إثارة مسألة المساواة بين الرجل و المرأة في الميراث «ليست إلا إشكالية مصطنعة يتم استغلالها خدمة لمصالح انتخابية وذلك قبل الانتخابات التشريعية المقبلة لسنة 2019». وانه لا يجب ان تطرح المسألة في الوقت الراهن.

السبب هنا ليس انتظار مرور الانتخابات بل هو اعتبار الزار ان الوقت الراهن يستوجب اقرار المساواة الحقيقة، والتي من وجهة نظره تتمثل في المكافأة العادلة في المجال المهني خاصة في القطاع الخاص وضمان التغطية الاجتماعية وتحسين ظروف النساء في العمل وخاصة في القطاع الفلاحي، لكنه لاحقا وفي تصريح لاذاعة شمس اف ام، اعتبر ان الامر مخالف لشرع الله.

هذا الخماسي له في الأصل ذات الحجج وان بتعبيرات مختلفة، فمن يخشى ان يلاحق سياسيا، حركة النهضة، جعل الامر متعلق بالاولويات الوطنية مع ترك الهامش لابنائها للتعبير عن رفض الامر لاسباب دينية، لضمان اصوات المؤمنين في 2019.

اما البقية فاختاروا الحجة الدينية لبسط نفوذهم على الشارع، مع الاستعانة بكل ما أوتوا من زاد لغوى وفتوى تبيح الكذب لحشد الشارع واستغلال انسياقه العاطفي خلفهم، في خضم هذه الفوضى يغيب أصل النقاش، اين تقف سلطة الدولة والمجتمع ان تعلق الامر بجسد الفرد؟، وهل تعتبر المساواة المجتزأة مساواة؟...

 

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115