عضو لجنة الحقوق الفردية والمساواة كافية بمفردها لتدين الطبقة السياسية والحقوقية التونسية، التي أدارت ظهرها للجنة وأعضائها من منطلق «...فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ» تاركين أعضاءها يواجهون التكفير والاستهداف.
يوم أمس كانت كلمات صلاح الدين الجورشي صرخة جديدة تدين العائلة الديمقراطية والحقوقيين دون استثناء، فأسابيع بعد إصدار اللجنة لتقريرها ونشره يخرج عضو منها ليعلن انها، والقصد أهل اللجنة، «تمرّ بوضع صعب في ظل غياب ردّ فعل من الجهات الرسمية» اثر احتدام الجدل على التقرير ومواقف متشددة منه ومن أعضاء اللجنة.
الجورشي كشف بشكل صريح دون مواربة انه وأعضاء اللجنة يشعرون بأنهم أصبحوا «معزولين وأنهم أُهملوا»، وفق تصريحه لإذاعة موزييك اف ام، والرجل لم يبالغ في هذا، فالى غاية امس لا تزال الجهات السياسية الرسمية بعيدة عن الجدل وما شابه من تصعيد خطير يستهدف اللجنة.
بل ان الصمت كان موقفا رسميا تجاه التهديدات والهرسلة والتشويه والتكفير الذي طال كافة أعضاء اللجنة وخاصة رئيستها، بشرى بلحاج حميدة، التي يبدو أنها ورغم توقعها ان يثير التقرير الحقوقي جدلا وبعض ردود الفعل الغاضبة فإنها لم تكن تنتظر أن يكون الأمر بهذا الشكل الحاد والصادم.
تكفير في المساجد ومنابرها، وندوات لـ«شيوخ» وأساتذة في العلوم الشرعية لم تخل من التكفير صراحة او تلميحا، كل هذا مقابل صمت شبه كلي ممن كان يفترض بهم ان يكونوا في الصفوف الأولى المدافعة عمّا تضمنه تقرير اللجنة وعن أفرادها لكن تخلفوا عن ذلك مرة أخرى.
تخلف تقر به بلحاج حميدة وان بكلمات ملطفة، كعادتها في لوم الأصدقاء منذ كانت رئيسة جمعية النساء الديمقراطيات في تسعينات القرن الماضي، لتشير الى ان اللجنة لم ترصد «أي مواقف كبرى مساندة للمحتوى» فباستثناء حزب المسار الذي تبنى التقرير تجنبت بقية الاحزاب الافصاح عن هذا لاعتبارات خاصة بها.
بلحاج حميدة التي طغى جانبها الحقوقي على السياسي وهي تعد مع بقية الأعضاء الثمانية لتقريرهم التاريخي، كسرت ما تعود عليه التونسيون منذ الاستقلال، وهو ان ملف الحريات الفردية والمساواة بات يناقش في الفضاء العام، وان كانت النقاشات الى غاية الان مختلة.
لكن يحسب لها انها ومنذ ثمانينات القرن الماضي كانت وفية لقناعتها في الدفاع عن الحقوق الفردية والمساواة (حريّة الضّمير، حرية الجسد وحرمته، حرية الإبداع المساواة ووقف كل اشكال التمييز ، واحرجت الطبقة السياسية لتدفعها للّحاق بالنخب الثقافية والحقوقية في تبنى هذه القضايا.
بشرى التي ينتقد بعضهم «عفويتها» التي حالت دون ان تكون من طينة السياسيين المحنكين، يغفلون عن ان اجمل ما فيها هو انها تقدم صورة اخرى للعمل السياسي الذي لا يعادي او ينفر النشاط الحقوقي، ودفعت رفقة غيرها باليسار التونسي الى التخلى عن احد ابرز مقولاته «موش وقتو» او ليس من الاولويات لينخرط جزء منه في معركة الدفاع عن الحقوق والمساواة.
فهي وغيرها من النساء الناشطات سواء في الشأن السياسي أو الحقوقي اصطدمن في العقود الثلاثة الفارطة بانغلاق اليسار على فكرة الحريات الفردية، باعتبارها صنيعا يعبر عن «الفكر والفلسفة البرجوازية» التي ترى ان حرية الفرد تسبق حرية الشعوب، فاليسار التونسي كان يعتبر ان حرية الفرد تتعارض في اجزاء منها مع تحرر الشعب من الديكتاتورية.
لذا فالفضل وان بدرجات يعود لبشرى وزميلاتها اللائي دفعن طوال السنوات الثلاثين الماضية عمّن امن به من ان حرية الفرد والمساواة هي أولوية ليجابهن بها سلم أولويات الحركة السياسية التونسية التي كانت ولايزال جزء منها يعتبر الوقت لم يحن بعدُ لمثل هذه الاصطلاحات المجتمعية الكبرى.
لهذا فضل جزء من العائلة السياسية الديمقراطية التقدمية، بشقها اليميني الليبرالي او اليساري الاجتماعي، ان يصمت ويترك أعضاء اللجنة الـ9 يخوضون معركة تغيير الذهنيات من اجل خلق شروط تنزيل مقترحات التقرير بشأن المساواة الحقيقية بين المواطنين والمواطنات دون تمييز قائم على اللون والجنس والدين والعرق.
ان اللحظة تقتضي اليوم ان تكف الاحزاب التقدمية والديمقراطية عن صمتها وان تخرج دون تردد وحسابات السياسوية الضيقة لتعلن موقفها بشكل صريح. في الاثناء تواصل بشرى وزملاؤها في اللجنة الاضطلاع بهذا الدور والصمود في وجه ردة يراد من خلالها الانحراف بالجدل.
انحراف يراد به جر اللجنة الى مربع العزلة، وهذا بدوره يجب ان تنتبه اليه الجهات الرسمية والقصد هنا الرئاسات الثلاث لتعلن على الاقل عن موقف حمائي لافراد اللجنة وتزجر كل من كفر اعضاءها .