فأغفر لهم»، مذاك الحين استمر طلب المغفرة من الله لأولئك الذين صاروا «جنرالات» تتحدث وتحكم باسم الله وتصادر أي راي من خارجهم، على غرار عصبة من اساتذة جامعة الزيتونة اطلوا يوم امس، وقبله ايضا، ليعلنوا ان ما تضمنه تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة، نقيض «لشرع الله» وهو بمثابة الخروج عن الدين.
لأربع دقائق تقريبا بحث أساتذة في أصول الدين والشريعة عن العودة بالزمن في تونس الى ما قبل، عاد الزمن في تونس إلى ما قبل انطلاق المسار الإصلاحي المستند الى قراءة مقاصدية للإسلام، ليعلن رئيس جامعة الزيتونة هشام قريسة، وهو يتوسط ثلة من «اخوانه» ان تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة «مناقض للقران والسنة وما هو معلوم من الدين واجمعت عليه الامة».
الحكم القاطع الذي اصدره رئيس الجامعة استند الى ان التقرير مس «من حكم تحريم الزنا واللواط والسحاق ومخالف لأحكام الاسرة في الاسلام، من ذلك احكام النفقة والمهر والميراث...»، مشددا على ان التقرير «يلغي المصطلحات المعبرة عن الهوية الاسلامية» من قبيل المسلمين، الشرع وغيرها. ليصدر حكمه بان التقرير صادم لهوية الشعب ويعتدي على مقدساته وأعرافه.
ليس هذا فقط بل اعتبر رئيس الجامعة، وهو محاط بمديرة معهد الشريعة بثينة الجلاصي، ومدير معهد الحضارة الاسلامية عبد اللطيف البوعزيزي وايضا نور الدين الخادمي، وزير الشؤون الدينية السابق، ان ما تضمنه « التقرير يخالف الفطرة الانسانية السليمة ويهدم الأسرة ويهدد سلم المجتمع وانسجامه... وينشر الإباحية ويشيع الفاحشة»، لهذا فهو و28 من أساتذة جامعة الزيتونة يطالبون بإلغاء العمل بالتقرير والتخلي عنه. اذ ان العمل به عصيان لأمر الله ورسوله وهذا ضلال مبين.
هذه المجموعة التي تمثل قرابة ثلث اساتذة الكليات والمعاهد التابعة لجامعة الزيتونة، غاب عنها ان تقرير اللجنة الذي سلم لرئيس الدولة في جوان الفارط لم يتناول اي نقاط من مقاربة «التحريم أو التحليل» ليفتح الباب للخوض في مسائل فقهية محل اختلاف بين المدارس والمذاهب.
اذ ان اللجنة كانت واضحة في مقدمة تقريرها وفي مضمونه، وأعلنت أنها تعتمد على حقوق الانسان الكونية، وهذا مفهوم قانوني وليس دينيا، وانها تصوغ مقترح قانون وليس فتاوى او احكام فقهية، لذلك وجب الانتباه الى ان المضمون الذي تضمنه تقرير اللجنة لا يبحث عن «تحريم ام تحليل» بل عن فرض حرمة الفرد وحريته على الدولة وحماية هذا الحق بنص قانوني ضد انتهاكه.
اي ان الهدف من مشروع القانون ليس كما أرادت مجموعة «أهل الحل والعقد» ان تسوق له، بمفردات من قبيل نشر الإباحية وإشاعة الفاحشة، وهذا تقييمها لمقترح اللجنة إلغاء جريمة اللواط ومنع إجراء الفحوصات الشرجية، او اقتراح إلغاء العقوبة السجينة في تهم البغاء وتعويضها بعقوبات مالية مع تحديد دقيق للجوانب القانونية للتهمة.
اي ان التقرير على عكس ما يريد الأساتذة الترويج له لا ينشر الإباحية او يشيع الفجور، بل يحمي حق الحياة الخاصة ويحصنها بالقانون ضد اعتداء الدولة وأجهزتها، في ظل مقاربة قانونية تعتبر ان التونسيين سواء، لا يقع تمييز بينهم على اي أساس ديني او جنسي او عرقي، وهم خاضعون جميعا لقانون ينظر اليهم على انهم ذوات إنسانية حرة لا رعايا في دولة السلطان واهل الحل والعقد.
بعيدا عن سوء قراءة التقرير او فهمه الذي وقع فيه جماعة «أهل الحل والعقد» الجديدة، يجب الانتباه الى ان محاولات جر النقاش بشان مقترحات لجنة الحريات الفردية والمساواة الى مربع الحلال والحرام، به ضرب عصفورين بحجر واحد، ارباك مسار اقرار الحريات الفردية والمساواة الذي تعثر منذ سنوات، واعلان عن ولادة كيان سياسي شرعي يجب ان يشارك في اقرار مصير التونسيين من منطلق وصايته على الدين والحديث باسم الله، لهذا لا يجب ان ندعو الله لهم بالمغفرة عن محاولات قتل أحلامنا بل ان نواجههم.