مات ماتيو. مات ماتيو وهو صبيّ. لقي الصبيّ حتفه في حادث مريع في منطقة خاليّة، في الجنوب التونسي. بعيدا عن أبويه وصحبه. هلك ماتيو وقد جاء البلاد ليمرح، لينطلق في الصحراء يجري، يتبارى مع الريح، مع الشمس. مات ماتيو في يوم مضى، في سنة خلت، في مكان قفر، في قرية، في أقصى دوز، في ولاية قبلّي. انتقل ماتيو الى السماء العليا وفي فمه بسمة الياسمين وفي عينيه نور الفجر. مشى ماتيو الى السماء دون أن يقبّل أبويه. مات ماتيو وغادر صحبه والدنيا...
انّها المصيبة تضرب الانسان في القلب. انّها الحياة تفعل بالأحياء ما تشاء من الفعل... لا يهمّ ما تفعله الأيّام من سوء، من طامة كبرى. كذلك، هو الانسان يحيا. كذلك، هو الحيّ يواجه مأساته في الدنيا... ما كان أبوه ايريك ستشار ولا أمّه تيريز من هواة البكاء ولا هما من البائسين، القانطين. هما فرنسيان يحبّان ماتيو حبّا جمّا...
يجب أن ينبعث الماء رقراقا حيث مات ماتيو. يجب أن تجري السواقي حيث جرى دمه الزكيّ. يجب أن يظلّ مثواه نقطة حياة، موطنا رحيما للعصافير، للأزهار، لكلّ كائن حيّ. كذلك، قرّر الأبوان. كذلك، يجب أن تكون الذكرى... طوال السبعة أشهر الماضيّة، انطلق أب ماتيو وأمّه في جمع التبرّعات، في حفر البئر العميقة، في العمل، في الكدّ حتّى اندفع الماء الحيّ من الأرض...
هل من خير أفضل من بئر تروي أرضا قحطا؟ هل من عمل أجدى من بناء بئر فيها ماء يجري، يعيد الحياة لأرض مقفرة؟ أنت ملاك يا ماتيو ولسوف تبقى ذكراك في الأرض. أنت الحياة يا ماتيو وهذه بئرك منها ماء يتدفّق...
رحمك الله يا ماتيو وأدخلك جنان الخلد. لسوف تدخل يا ماتيو الجنّة، بحول الله، وأنت سقيت الناس والدواب وبعثت الحياة في الأرض. شكرا لأبويك ولما أتيا من صبر...