إثر تصريحاته حول مسألة الهجرة غير الشرعية منددا بتونس التي في تقديره لا ترسل «أناسا شرفاء بل في أغلب الأحيان وبصفة إرادية مساجين سابقين». وهو ما فجر، في تحرك غير مسبوق، «الأزمة» بين البلدين.
لم تهتم الصحافة الإيطالية بعدم حضور ماتيو سالفيني اجتماع القمة لوزراء الداخلية الأوروبيين حول مسألة الهجرة في بروكسل بقدر ما نشرت في صفحاتها الأولى خبر استدعاء السفير الإيطالي من قبل وزارة الخارجية التونسية للمساءلة. و اختارت جل الصحف عناوين تبرز الموقف التونسي مفادها «تونس تستدعي السفير»، وأخرى أقرت بوجود «جدل بين إيطاليا وتونس» أو «توتر دبلوماسي» بين البلدين. وتعددت النقاشات في الإذاعات وقنوات التلفزيون الإيطالية، العمومية منها والخاصة. ولوحظ انتقاد شديد لموقف سالفيني في القنوات التلفزيونية التي يمتلكها سيلفيو برلسكوني على خلفية الانشقاق الحاصل بين حزبي فورسا إيطاليا ورابطة الشمال في خصوص تشكيل الحكومة وقرار سالفيني التخلي عن تحالفه معه للعمل بمفرده مع حركة 5 نجوم على تشكيل الحكومة الجديدة.
عدم خبرة
و نوهت الصحف و القنوات الإعلامية بمستوى التعامل الذي أظهرته تونس في ملف الهجرة وقبولها إطارا متبادلا مع الإتحاد الأوروبي في قبول ترحيل المهاجرين غير الشرعيين. و ذهب بعض الصحفيين للقول بأن «سالفيني لا يحذق ميكانيسمات التعاون الدبلوماسي». جانب عدم الخبرة بشؤون الدولة و العمل الديبلوماسي تم تداوله بإطناب في عديد البرامج و مرده، حسب جل وسائل الإعلام الإيطالية، رغبة سالفيني في افتتاح أسلوب سياسي جديد و قف، في أول تحرك سياسي له على أرض الواقع، على محدودية تحركه على المستوى الدولي.
وأبرز الإعلام الإيطالي تراجع سالفيني عند رجوعه إلى روما أمام حدة الاستنكار التونسي وإعلانه باستعداده ملاقاة نظيره التونسي في أقرب الآجال. و اعتبرت وسائل الإعلام أن هذه الخطوة الأولى لزعيم رابطة الشمال تجسم إشكالا يمكن ألا يعطي النتائج المرجوة من قبل الدول المشاركة في إدارة ملف الهجرة غير الشرعية ، و أن يوقف التعاون الحاصل بين دول الشمال و الجنوب في البحر المتوسط.
وانتقد الإعلام كذلك موقف سالفيني غير الناضج عدم حضور اجتماع وزراء الداخلية الأوروبيين حول نقاش طرق تغيير «إتفاق دبلين» الذي يحكم في السياسات الأوروبية المتعلقة بالهجرة والتي تطالب إيطاليا بالخصوص إدخال تغييرات عليه. واكتفى سالفيني بالقول إن إيطاليا «لن تقبل بالحلول المقدمة من قبل أوروبا» في تحرك إيديولوجي يخفي قصر نظره في مسألة الحوار المشترك وتقاسم المسؤوليات في إطار أوروبي منظم.
سحب في سماء أوروبا
الإشارة إلى «الدور التونسي» في ملف الهجرة غير الشرعية استند إحصائيات إلى داخلية تظهر أن تونس، صحبة إريتريا، تأتي في مقدمة البلدان «المصدرة للمهاجرين» تجاه إيطاليا. وهما الجنسيتان اللتان تجمعان أغلبية المهاجرين عبر البحر المتوسط. لكن هذا المعطى الموضوعي تم استغلاله من قبل الوزير لإطلاق رسالة نحو ... أوروبا التي رفضت مساعدة إيطاليا في اقتسام عبء موجات الهجرة المتتالية.
و ذكرت وسائل الإعلام الإيطالية أن سالفيني قد أعلن إثر اندلاع الأزمة مع تونس «إما أن تساعدنا أوروبا أو سوف نعمل مع أوربان (رئيس وزراء المجر) على تغيير القوانين». وهو تهديد واضح للإتحاد الأوروبي الذي يشهد منذ سنتين انتعاشة حقيقية للحركات المتطرفة و الشعبوية التي أصبحت تهدد التوازن الداخلي للإتحاد. فبعد انتفاضة المجر وبولونيا بسبب سياسة الهجرة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عام 2015، شهدت أوروبا صعود اليمين المتطرف للحكم في النمسا وإيطاليا وسلوفينيا و دخول أكثر من 90 نائبا إلى للأحزاب اليمينية المتطرفة في البرلمان الألماني. وتدعم هذه الموجة مجموعة البلدان الشرقية التي التحقت بالإتحاد الأوروبي والرافضة لاستقبال المهاجرين وطالبي اللجوء بالرغم من الاتفاقات المبرمة والقوانين المشتركة. الخطوة الإيطالية الأولى في ملف الهجرة، أحد المواضيع التي تصدرت اهتمامات الرأي العام الأوروبي في السنوات الأخيرة، تفتح الباب أمام مجهول السياسة الحقيقية لليمين المتطرف الإيطالي الذي أصبح طرفا جديدا مشاركا في صقل سياسات الشمال للسنوات القادمة .