بعدما اتهم الأخير المدير التنفيذي للحزب حافظ قائد السبسي والمقربين منه باختلاق أزمة سياسية في البلاد نتيجة سوء التصرف، حتى أن قراراتهم باتت لا تمثل الكتلة النيابية. أزمة حقيقية تعيشها الكتلة قد تنعكس مستقبلا على أشغال البرلمان وأعمال الحكومة في نفس الوقت، في انتظار حلحلة الأزمة بتدخل من رئيس الجمهورية.
عقب خطاب رئيس الحكومة يوسف الشاهد ليلة أول أمس، الذي اتهم فيه المسيرين الحاليين لحزب حركة نداء تونس وعلى رأسهم حافظ قائد السبسي والمحيطين به، الذين اعتبرهم قد دمروا الحزب من خلال دفع عدد من الكفاءات لمغادرة الحزب، على غرار تسببه في خسارة الانتخابات الجزئية التشريعية في ألمانيا، وخسارة عدد كبير من الأصوات في الانتخابات البلدية. واعتبر الشاهد أن القرارات المتخذة من قبل الحزب لا تعبر عن هياكله وحتى الكتلة النيابية، الأمر الذي يطرح جملة من التساؤلات حول وضعية الكتلة اليوم في مجلس نواب الشعب وعلاقتها بالحكومة.
رفض الإدلاء بأي تصريح
لكن في المقابل، فقد رفض أغلب نواب كتلة حركة نداء تونس التصريح والتعقيب على ما جاء على لسان رئيس الحكومة، معتبرين أن الوضع لا يحتمل مزيدا من التشنجات في انتظار عقد اجتماع مع مختلف هياكل الحزب في القريب العاجل من أجل اتخاذ الموقف المناسب. كما يبدو أن القيادة الأولى في الحزب قد أوصت نواب كتلتها بعدم التصريح لوسائل الإعلام والتعقيب على خطاب الشاهد دون ذكر الأسباب.
خطاب منقوص
وبالرغم من ذلك، إلا أن بعض النواب خيروا الحديث باسمهم الشخصي كنواب عن الحركة من أجل توضيح بعض المسائل الهامة من بينها وضعية كتلة حركة نداء تونس اليوم في مجلس نواب الشعب، على غرار انتقاد النقائص التي جاءت في مضمون الخطاب. خطاب رئيس الحكومة يوسف الشاهد قسمه النواب إلى قسمين أساسيين، قسم أول يتعلق بالإصلاحات المعلنة، في حين يتعلق القسم الثاني بالاتهامات الموجهة للحزب. وصرحت النائبة فاطمة المسدي لـ«المغرب» أن موقفها كنائبة قد يتعارض مع عدد كبير من نواب الكتلة، حيث أن خطاب الشاهد جاء كخطاب رجل دولة، حيث تحدث عن انجازات الحكومة على مستوى الاستقرار الامني وتعافي السياحة والنجاح في تنظيم الانتخابات. وبينت أن ما ذكره من انجازات يساهم في توحيد التونسيين، لكنه لم يذكر الأطراف التي تقف وراء تعطيل الاصلاحات الحكومية خصوصا في المؤسسات العمومية بالرغم من أنه معلوم سابقا أن اتحاد الشغل يتحكم في الشركات العمومية، حيث كان من المفروض أن يكون أكثر وضوحا في تحميل المسؤوليات حتى بالنسبة للأشخاص الذين يسعون إلى تعطيل الانتخابات.
«حركة نداء تونس ليست وحدها المسؤولة»
كما قالت المسدي أن هناك عديد المسائل التي تشتغل عليها الحكومة من بينها إصلاح المؤسسات العمومية والمفاوضات مع البنوك الدولية والضغط على كتلة الاجور، إضافة إلى أن الحوار سيتحول من قرطاج إلى رئاسة الحكومة عبر الحوار الاجتماعي. لكن في المقابل، يجب الافصاح عن كافة الأطراف التي ساهمت في التعطيل مثلما فعل سابقا حين حمل المسؤولية إلى الجبهة الشعبية في أحداث «الكامور»، حتى في موضوع مكافحة الفساد الذي بدا منقوصا، باعتبارها لم تمس أي طرف ضمن الائتلاف الحاكم السابق «الترويكا» ومن بينها قضية سليم بن حميدان في ما يعرف بمعضلة البنك الفرنسي التونسي.
وبخصوص الجزء الثاني من خطاب الشاهد، فبالرغم من اعترافها بتأزم الوضع السياسي، إلا أنها اعتبرت أن ما يقلق فعلا اقتصار تحميل المسؤوليات إلى حركة نداء تونس، دون تحميل المسؤوليات لبقية الأحزاب كحركة النهضة التي تسببت بدورها في تأزم الوضع الاقتصادي والسياسي خاصة. وأضاف المسدي أن الكتلة تطالب بدورها في مختلف الاجتماعات بضرورة عقد مؤتمر انتخابي، لكن عقب الخطاب فإن العلاقة بين الكتلة والحكومة يبدو أنها تتوجه نحو مزيد من التعكر، بالرغم من أن المعركة ليست بين شخصين اثنين بل من أجل بناء الدولة الديمقراطية على تعبيرها.
انتقاد للاتهامات الموجهة من قبل الشاهد
كتلة حركة نداء تونس ستمتثل إلى خيارات قواعدها واحترام القوانين في تعاملها دون حسابات شخصية، سواء من خلال سحب الثقة وهو أمر مستبعد نوعا ما في ظل عدم وجود الأغلبية المطلوبة لذلك، تطالب بإجراء بعض التحويرات حسب ما جاء على لسان النائبة فاطمة المسدي التي طالبت بتغيير وزير التعليم العالي بالأخص.
التوجه العام لكتلة حركة نداء تونس في كواليس المجلس، يبدو أنه ضد ما جاء في خطاب يوسف الشاهد، معتبرين أنه حاول إلهاء الرأي العام بما تشهده البلاد من غلاء في الأسعار وتدهور الاقتصاد الذي تتحمل الحكومة مسؤوليته، بافتعال مشاكل شخصية وحزبية بحتة من أجل أهداف ضيقة. هذا ولا تزال كتلة نداء تونس تساند مخرجات وثيقة قرطاج 2 وملتزمة بها، بالرغم من تعليق العمل بها.
حرب خطابية بين أفراد من الكتلة ورئيس الحكومة، تسببت في أزمة جديدة صلب الحركة بأ كلمها قد تساهم في تغيير المشهد البرلماني وتغيير الموازين في العلاقة بين الطرفين. فرئاسة الكتلة القريبة من حافظ قائد السبسي قد تفك ارتباطها العضوي بالحكومة، وهو ما يعني كسر التوافقات أو فتح الحزام السياسي البرلماني للحكومة، باعتبار أن حركة النهضة هي الوحيدة التي لا تزال متشبثة باستمرارية الحكومة إلى غاية انتخابات 2019. أزمة الكتلة لا تقتصر بدورها على اتهامات الشاهد وحده، بل أيضا في هياكلها، فبعد عزل النائبة وفاء مخلوف عن الهيئة السياسية الحزب، صرحت بدورها أن الحزب يعيش حالة فوضى مقدمة كدليل على ذلك البيانات والبلاغات الصادرة عن أشخاص تحمل مواقف فردية وتُقدم كأنها مواقف رسمية لهياكل نداء تونس.
تأزم الوضع في الكتلة والحزب
نواب الكتلة اعتبروا أن عملية العزل غير قانونية وصعبة للغاية، باعتبار أن هناك لجنة نظام داخلي في الحزب تنظر في المسألة ثم تحيلها برمتها إلى المؤتمر. تشتت قيادات الحزب والكتلة ساهم في تأجيج الأوضاع وعدم إيجاد مخرج لهذه الأزمة الخانقة، خصوصا وأن السند الأساسي للكتلة تمثل في الحكومة وهي الآن علاقة تتجه نحو الانشقاق عنها. لكن الحل الوحيد يكمن حسب ما صرحت به النائبة الخنساء بالحراث لـ«المغرب» في رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الذي وصل إلى تونس صباح أمس من باريس والذي سيسعى إلى تقريب وجهات النظر بين الطرفين المتخاصمين، مشيرة إلى أنه من غير المعقول أن تتواصل الخلافات أمام الرأي العام قائلة «من غير المعقول أن تتواصل العركة في الشارع».
هكذا عبر أغلب النواب مما يستوجب تهدئة الأجواء والبحث عن حلول توافقية من أجل حلحلة الأزمة حتى لا تلقي بظلالها على أعمال الحكومة من جهة، وأشغال مجلس نواب الشعب من جهة أخرى. الجميع ينتظر ردة فعل رئيس الجمهورية ومؤسس الحزب الباجي قائد السبسي الذي قد يعلن عن بعض الاجراءات لفائدة الحزب مثملا جرت العادة في كافة الازمات السابقة، بالرغم من اهمية الموضوع إذا وصفها البعض بالأزمة الحقيقية الثالثة بعد مؤتمر سوسة وموجة الانشقاقات صلب الكتلة.