ليؤسس بذلك لمرحلة جديدة في تونس، هذه المرحلة القائمة على مبدأ «اللامركزية» في ادارة الشؤون المحلية يعتبرها رياض المؤخر مهمة وستغير تونس في المدى المتوسط، وزير الشؤون المحلية والبيئة شدد في حوار له مع «المغرب» على اهمية المجلة وما ستحققه من نقلة في تونس.
يرى رياض المؤخر وزير الشؤون المحلية والبيئة ، ان مجلس النواب «أعطى لكل ذي حق حقه» ان تعلق الأمر بمضمون التعديلات المدرجة على مجلة الجماعات المحلية، فالمجلس ولجنة إصلاح الإدارة وشؤون القوات الحاملة للسلاح، اجروا تحسينات على المشروع المقدم، مع الحفاظ على روح المجلة وانسجام النصوص صلبها، وفق رأيه.
كما ان تحسين مضمون المجلة مرده العمل اللصيق للوزارة ومن خلفها الحكومة مع مجلس النواب وكل الكتل التي كانت متعاونة في ظل جو ايجابي لم يطغ عليه الصراع الحزبي مما ساهم في حسن سير النقاشات، على حد قوله.
ليضيف ان 11 شهرا كانت مدة النقاشات بشان المجلة سواء صلب لجنة الإصلاح الإداري او في الجلسات العامة، هذا النقاش كان فيه تفاعل بين الجهة المبادرة-وهي الحكومة- وأعضاء المجلس، على غرار النقاشات في لجنة التوافقات طوال شهر، اذ كانت تتم في ظل مشاركة الجهة المبادرة وخبرائها بهدف تيسير العمل وضمان التفاعل، من ذلك أن المقترحات التعديلية التي اقترحها النواب تم سحب بعضها لصالح الجهة المبادرة التي قدمت مقترحا جديدا اخذ بعين الاعتبار مقترحات النواب وأدمجها.
ما الذي ستغيره المجلة
في ردّه عن سؤال «لماذا تؤسس هذه المجلة؟» قال المؤخر ان المجلة وضعت من اجل تنزيل الباب السابع من الدستور، وما يتضمنه من اقرار للامركزية، حيث ان المجلة أقرت جملة من القواعد الجديدة لتسيير الجماعات المحلية، ومنها التدبير الحر، النظام المالي للجماعات واملاكها ومرافقها، كما انها تضمنت كل ما يتعلق بتنظيم الجماعات المحلية.
هنا شدد الوزير رياض المؤخّر ، على ان المجلة وما تضمنته من مبادئ هامة لن تغير واقع التونسيين بين عشية وضحاها، اذ أنّ الصلاحيات التي ستمنحها مجلة الجماعات المحلية للمجلس البلدي لن يكون لها تأثير فوري على الحياة اليومية للمواطن، رغم أهميتها. لكنها ستحقق تغييرا جذريا لتونس في المدى المتوسط.
هذا التغيير القادم، سيأتي نتيجة تحسين خدمات القرب ودور الجماعات المحلية، مؤكدا ان المجلة هي «قانون» والقانون لا يصنع الواقع»، بل جملة من العناصر تجتمع، غير ان القانون هو «بداية المسار» وأبرز المؤخر ضرورة عدم رفع سقف الانتظارات من البلديات خلال المستقبل القريب قائلا «لن نعطي للمواطنين انتظارات لن تتحقّق».
دور جديد للسلطة المركزية
دور وزارته والحكومة في عملية تركيز اللامركزية ومرافقة الجماعات المحلية، يحدده الوزير بانه ليس دور «سلطة اشراف» فهذا المفهوم زال في علاقة بالجماعات المحلية، حيث سينتقل دور الحكومة والسلطة المركزية من التسيير والاشراف الى رسم السياسات العامة والاستراتيجيات.
فوفق المؤخر اللامركزية مسار كامل يتدخل فيه الجميع وليس حكرا على وزارته، والمسار يجب ان تنخرط فيه الحكومة بأكملها، وان تلتزم الدولة كاملة بانجاحه، بهدف توفير ظروف نجاح الجماعات المحلية وذلك عبر البحث عن طرق تحسين موارد الجماعات وممتلكاتها وطريقة تسييرها والإطار البشري صلبها.
هذا العمل يهدف لتوفير مناخ ملائم لنقل الصلاحيات الى الجماعات البلدية، حيث أشار المؤخر ان الصلاحيات الذاتية الراهنة وفق المجلة لا تختلف كثيرا عن الصلاحيات الذاتية المنصوص عليها في قانون 75 ، فهي ستكون منحصرة في صلاحيات انجاز شبكات تصريف مياه الأمطار وإحداث الأسواق البلدية وإقامة التظاهرات التجارية والثقافية وتسمية الأنهج والشوارع والاهتمام بالحياة البيئية وتجميع الاداءات البلدية والاهتمام بالتهيئة العمرانية والتصرف في النفايات وجمعها.
الاختلاف الهام سيكون في الصلاحيات التشاركية بين الجماعات المحلية والسلطة المركزية او عبر الصلاحيات المنقولة، وقال ان هذه الصلاحيات تمنح للبلديات او الجهة وفق اتفاق بين الجماعة المحلية المعنية والسلطة المركزية او من يشرف على الخدمة.
وخير مثال على ذلك عملية نقل صلاحية الإشراف على صيانة المؤسسات الصحية العمومية، حيث تتم اثر اتفاق شراكة بين البلديات او الجهة مع وزارة الصحة التي تقوم بدارسة الملف لتؤكد من ان الجماعة المحلية تتمتع بكل امكانيات إدارة هذه الخدمة، سواء البشرية او المادية والفنية وغيرها، لتجنب القفز الى المجهول، وشدد على ان التدرج في تركيز اللامركزية وفي نقل الصلاحيات للبلديات هو مبدأ بات قانونيا يلزم الدولة على تحقيقه في ظل سياسات داعمة للحكم المحلي.
نقل الصلاحيات
وللوصول الى هذه المرحلة من نقل الصلاحيات يشدد المؤخر على ضرورة تطوير العمل البلدي، عبر تطوير حوكمة العمل البلدي، وهنا أجاب عن سؤال تعلق بتقييم وزارته لبرنامج التنمية الحضرية والحوكمة المحلية المتعلق بتطوير العمل البلدي، بأنها نتائج مشجعة جدا، وان فلسفة البرنامج هي تشجيع البلديات على تنفيذ مشاريع تمويلها الدولة بشرط ان يقع تحقيق نتائج. وقال المؤخر ان بعض البلديات لم تحصل على جملة من المنح لأنها فشلت في تحقيق النتائج المطلوبة منها او لم تلتزم بالقانون والحوكمة الرشيدة.قائلا ان البلديات الصغرى حققت نتائج أفضل من بعض البلديات الكبرى.
واعتبر المؤخر ان الهدف من مسار إرساء اللامركزية ليس تكريس اللامركزية فقط بل هو من اجل هدف اشمل وهو تحسين الخدمات المساداة إلى المواطنين، وان الوصول الى ذلك هو مؤشر نجاج اللامركزية، لهذا فهو يشدد على ضرورة ان توفر عناصر النجاح واعتبار اللامركزية آلية وليس هدفا.
عناصر الواجب توفيرها هي رسم استراتيجية كاملة تنزل القانون الى ارض الواقع كممارسات وليس كنصوص وأوامر، وهذا في معرض رده عن سؤال يتعلق بماهية شروط النجاح التي يشير إليها. ويوضح المؤخر إجابته أكثر بتشديده على ان دور وزارته سيصبح دور راسم الاستراتيجيات والمكون والممول والمشجع للجماعات المحلية حيث يعتبر ان مفتاح نجاح التجربة في تونس هو تكوين العنصر البشري، سواء في مجال الإدارة أو أعضاء المجلس البلدي المنتخبين، وهذا يسبق الموارد المالية، فالعنصر البشري هو من سيحسن التصرف في الموارد المالية ويطورها. وأكد المؤخر أن الوزارة أعدت برنامج تكوين أعضاء المجالس البلدية في مجال الحوكمة وانجاز المشاريع والتصرف وأشار إلى أن مركز التكوين ودعم اللامركزية سيكون احد أدوات التكوين. ولم يغب عن المؤخر التشديد على ان المجالس البلدية ملزمة بالقانون على تخصيص 0.5 من موازناتها للتكوين.
التزام الدولة باللّامكزية
اذرع الدولة لتشجيع الجماعات المحلية للانخراط في الاستراتيجيات الوطنية، عديدة من بينها وفق المؤخر صندوق القروض، الذي سيمنح البلديات التي تنخرط في مشاريع وسياسيات وطنية قروضا ميسرة ومنحا، ومن لم ينخرط لن يمنح.
وعن خطر ان يصبح هذا الصندوق أداة لفرض إرادة المركز على المحليات قال المؤخر ان التدخل لن يشمل الشؤون المحلية بل هو لتشجيع الجماعات على تبني خيارات إستراتيجية للدولة، كالتوجه للطاقات المتجددة، كتطوير الخدمات المقدمة، كتحسين عملية تحصيل الاداءات وغيرها من الخيارات.
ليجيب هنا عن مخاوف بعض المشككين من ان الجماعات المحلية ستفتت الدولة، يقول المؤخر ان المجلة تضمنت كل الضمانات لمنع تفككها او تعطل المرفق العام، وقدم حلولا للسلطة المركزية للتدخل في حالات محددة ومضبوطة قانونيا، منها ان المجلس البلدي يعتبر منحلا ان لم يصادق قبل 31 مارس على ميزانيته.
لكن تدخل السلطة المركزية سيكون تحت ضمانات قانونية للجماعات المحلية، التي يمكنها في حال صدور قرار مركزي بحلها او تدخل في مهامها ان تتوجه للقضاء الاداري والتظلم لوقف تنفيذ التفويض، واعتبر المؤخر ان النص القانوني كان متوازنا حمى الحق في التدبير الحر ولكنه وفر ادوات لمنع الانحراف او تعطل المرفق العام.